
جحيم التمويل الزراعي… لماذا تُترَك الزراعة وحدها في مواجهة الرسوم والإجراءات؟
النورس نيوز | بقلم: غاندي إبراهيم
يخوض مزارع مشروع الجزيرة اليوم واحدًا من أصعب المواسم في تاريخه الحديث، وهو يستعد لزراعة العروة الشتوية مثقلًا برسوم وإجراءات تُقوِّض قدرته وتُهدّد دوره المحوري في تأمين الغذاء للسودان. فبدلًا من أن يكون التمويل الزراعي وسيلة لتمكينه وزيادة الإنتاج، تحوّل إلى عبء خانق يلتهم ما تبقى من طاقته، ويكشف عن خلل عميق في طريقة التفكير والسياسات التي تحكم القطاع الزراعي.
رسوم تثقل كاهل المزارع قبل أن يحرث أرضه
يفرض بنك السودان والبنك الزراعي على المزارع رسوماً تصل إلى 280 ألف جنيه تحت مسمى “رسوم الاستعلام”، تضاف إليها رسوم أخرى قدرها 24 ألف جنيه عند التقديم لتمويل عشرة جوالات. وفي النهاية يجد المزارع نفسه مُلزماً بدفع ما يقارب نصف مليون جنيه كرسوم غير مرتجعة… فقط ليبدأ إجراءات التمويل.
فأي منطق اقتصادي يقبل أن يبدأ المزارع موسمه مُكبّلًا بدَين بهذا الحجم؟ وكيف يمكن لقطاع استراتيجي أن ينهض بينما تمويله يبدأ برسوم تُقصم ظهر من يفترض أن ينهض به؟
إجراءات عقيمة تحوّل الموسم الزراعي إلى مغامرة خاسرة
حتى المزارع الذي يتحمل هذه الرسوم، يجد نفسه أمام سلسلة طويلة من البيروقراطية المعقدة.
أسابيع كاملة يقضيها بين الاستعلام والموافقة والصرف، بينما الموسم الزراعي لا ينتظر أحدًا، والتأخير وحده كفيل بإفشال الموسم قبل أن يبدأ. لكن رغم ذلك، تعامل البنوك القطاع الزراعي كما لو أنه نشاط تجاري عادي، وليس قطاعًا يرتبط بالأمن الغذائي ومستقبل البلاد.
نتائج كارثية لا تقف عند حدود المزارع
عندما يُرهق المزارع، لا يتوقف الضرر عليه وحده؛ فالزراعة هي العمود الفقري للاقتصاد السوداني، وأي خلل فيها ينعكس مباشرة على الجميع.
والنتائج واضحة:
- ارتفاع أسعار الغذاء
- انخفاض الإنتاج
- زيادة الاعتماد على الاستيراد
- فقدان البلاد لعائدات الصادر
بهذا المعنى، فإن ما يحدث ليس مجرد مشكلة تمويل… بل أزمة وطنية تهدد الأمن الغذائي والاستقرار الاقتصادي.
الواقع الطارئ… وسياسات لا ترى المزارع
رغم الظروف الاستثنائية التي يعيشها السودان بسبب الحرب وما خلّفته من دمار وخسائر، لم تُبدِ المؤسسات المالية أي مرونة أو تقدير لهذا الواقع. المزارع خرج من الحرب بلا دعم، بلا تعويض، بلا رأس مال… ثم يُطلب منه دفع رسوم تفوق قدرته قبل أن يحرث أرضه!
هذا الوضع يتطلب قرارات شجاعة تُعيد الأمور إلى نصابها.
نحو إصلاح حقيقي للتمويل الزراعي
لإنقاذ الموسم الشتوي، ولإعادة الثقة للمزارعين، لا بد من خطوات جادة، أهمها:
- إلغاء أو تخفيض الرسوم الباهظة المفروضة على المزارعين.
- تحويل التمويل الزراعي إلى تمويل تنموي مدعوم، لا تجاري ربحي.
- تبسيط الإجراءات وتقليل زمن المعاملات إلى الحد الأدنى.
- إيقاف الرسوم غير المبررة عبر آليات رقابية فعالة.
- مراجعة سياسات بنك السودان تجاه القطاع بوصفه قطاعًا استراتيجيًا لا يحتمل إثقاله.
خاتمة
لا يمكن أن تُحمّل الزراعة ما لا تطيق، ثم يخرج البعض ليشتكي من ضعف الإنتاج وارتفاع الأسعار.
المزارع السوداني لا يحتاج كثيرًا؛ فقط يحتاج أن تُرفع عن كاهله هذه الأعباء التي لا معنى لها، وأن يُعامل بوصفه شريكًا في نهضة البلاد، لا مصدرًا لتحصيل الرسوم.
إنقاذ الزراعة يبدأ من إنقاذ المزارع، وهذه الحقيقة يجب أن تصل إلى كل صاحب قرار قبل فوات الأوان.









