
حمدي رزق واللواء حاتم باشات… قراءة سودانية لسطحية الطرح المصري
بقلم: حاج ماجد سوار
لم يكن الفيديو المتداول إلا جزءاً مقتطعاً من حوار المذيع المصري حمدي رزق على النسخة الأصلية لبرنامج كان قد أجراه مذيع الجزيرة مباشر أحمد طه مع اللواء حاتم باشات، القنصل العام الأسبق في السفارة المصرية بالسودان، ومسؤول ملف السودان في جهاز المخابرات المصرية لقرابة عقدين، ووكيل الجهاز وعضو البرلمان. ورغم الخلفية العميقة للرجل وخبرته الطويلة في تفاصيل المشهد السوداني، إلا أن الحوار كشف بوضوح الفجوة الكبيرة بين مستوى معرفة الضيف ومعالجة المقدم.
فقد سعى حمدي رزق – عبر أسئلة متتابعة وموجهة – إلى دفع اللواء باشات نحو الحديث عن الإسلاميين في السودان بصورة سلبية، محاولاً أن يجعله يكرر ذات الخطاب الذي يتبناه الإعلام المصري حول “الإخوان” أينما حلّوا. غير أن مسؤول المخابرات السابق تفادى الوقوع في الفخ، وقدم قراءة واقعية، ربما لم ترُق للمذيع، عن طبيعة الإسلاميين في السودان ودورهم الراهن.
باشات قال بوضوح إن الإسلاميين يمثلون الفصيل الأقوى الذي يدافع عن السودان في هذه المرحلة، وإنهم الأكثر تنظيماً وقدرة، وإنهم – رغم أخطائهم السابقة – يعترفون بما وقع ويعملون على تصحيحه. هذه النقاط الأساسية في حديثه كانت كفيلة بإرباك المذيع، الذي بدا وكأنه ينتظر ما يدعم سرديته لا ما يعكس الواقع.
وبسذاجة تثير الدهشة، ظل حمدي رزق يكرر عبارات مجترة مثل: “السودان هو الكارت الأخير للإخوان”، و”السودان هو المزرعة الكبيرة لهم”، و”الإخوان غير مؤتمنين وقد فصلوا الجنوب”، بل أضاف إليها رواية غير دقيقة مفادها أن علي عثمان قال له ذات مرة إنه مستعد لتطبيق المشروع الحضاري حتى لو بقيت لهم منطقة المقرن فقط، وهي قصة يصعب تصديقها في سياقها ولا سند لها سوى رغبة المذيع في إدانة الإسلاميين بأي طريقة.
ما يجب أن يدركه الإعلام المصري – وعلى رأسه حمدي رزق – أن الإسلاميين في السودان ليسوا خصماً لمصر ولا لأي دولة عربية. خصومتهم الحقيقية هي مع المشاريع الأجنبية التي تعمل لإعادة تشكيل المنطقة عبر الحرب والدمار والفراغ السياسي. وهذه مشاريع لا تستثني أحداً، ولا تراعي خصوصية السودان أو مصر أو أي بلد آخر. ومن يقرأ المشهد السوداني بعين الحقيقة يدرك أن الصراع القائم أكبر بكثير من مجرد تصنيفات أيديولوجية.
السودان اليوم يواجه أخطر تحديات وجوده، وفي قلب هذا الصراع تقف قوى متعددة، بينها الإسلاميون، الذين يمثلون مكوناً سياسياً واجتماعياً راسخاً لا يمكن تجاهله. فمحاولة تصويرهم كعدو أو كخطر على مصر ليست سوى امتداد لخطاب إقليمي مكرر لا يخدم مصالح البلدين ولا يعكس حقيقة ما يجري على الأرض.
إن مؤسسات الدولة المصرية – الأمنية والسياسية والإعلامية – تحتاج إلى إعادة قراءة الساحة السودانية بعيون جديدة، بعيداً عن الصور الذهنية التي تشكلت قبل عقود. كما يحتاج الباحثون والإعلاميون في مصر إلى انفتاح أوسع على التيارات السودانية كافة، بما فيها الإسلاميون، لمعرفة واقعهم الحقيقي وفهم تطورهم الفكري والسياسي بعيداً عن “التصنيفات المعلبة” التي تملأ الشاشات.
السودان ليس فرعاً صغيراً لأي قوة إقليمية، ولا هو ساحة خلفية لتجريب النظريات. إنه بلد يعيد تشكيل مصيره وسط صراع معقد، ويحتاج إلى قراءة دقيقة تُبنى على المعرفة لا على الانطباع. وما قدّمه اللواء حاتم باشات كان أقرب للحقيقة، بينما ظل المذيع يراوح في مساحة ضيقة صنعتها وسائل الإعلام المصرية حول الإخوان، وكأن السودان ليس فيه إلا تنظيم واحد.
هذا المقال ليس دفاعاً عن الإسلاميين بقدر ما هو دعوة لقراءة السودان كما هو، لا كما يُراد له أن يُصوَّر. وإذا كانت القاهرة ترغب فعلاً في حماية أمنها القومي، فعليها أن تبني استراتيجيتها تجاه السودان على فهم شامل لمجمل قواه، لا على سرديات تلفزيونية لا تصمد أمام أي تحليل جاد.









