مقالاتالأخبار الرئيسية

عمار العركي يكتب: قراءة في التموضع الجديد لأسمرا وتراجع الخرطوم

النورس نيوز

قراءة في التموضع الجديد لأسمرا وتراجع الخرطوم

تحليل: عمار العركي

▪️ بقرار حاسم لا لبس فيه، أعلنت إريتريا انسحابها رسميًا من منظمة الإيقاد، في خطوة تعيد رسم خريطة القرن الإفريقي وتحرّك المياه الراكدة في الإقليم الذي يعيش أشدّ مراحله توترًا. ورغم أن بيان الخارجية الإريترية جاء محمّلًا بمنطق سياسي يعتمد سردية قديمة عن “انحياز الإيقاد” و”فقدان شرعيتها”، فإن التوقيت والرسائل تتجاوز حدود المنظمة إلى إعادة تموضع استراتيجي لأسمرا نفسها.

▪️ فالانسحاب في حد ذاته ليس جديدًا؛ أسمرا سبق أن علّقت عضويتها عام 2007 وظلّت في حالة شبه مقاطعة حتى عودتها الشكلية في 2023. الجديد هنا أن الانسحاب يأتي كجزء من تحرك مدروس، يتزامن مع سلسلة خطوات اتخذتها إريتريا خلال الأشهر الأخيرة، تعكس رغبة واضحة في استعادة دورها الإقليمي بعد سنوات من الانكفاء.

▪️ القراءة الهادئة تشير إلى أن أسمرا رأت لحظة سانحة لإعادة تموضعها بعد تراجع إثيوبيا وتقلص نفوذ رئيس وزرائها، مقابل حالة فراغ في الخرطوم، وتردد مستمر في اتخاذ خيارات حاسمة تتناسب مع حجم الصراع الدائر حول السودان.

▪️ من يراقب خارطة التحركات الإريترية يدرك أن أسمرا عادت إلى المشهد عبر مسارات عدة:

انفتاح واضح تجاه الخرطوم رغم تعقيدات الحرب ،تنشيط للدبلوماسية الإقليمية عبر زيارات واتصالات منخفضة السقف لكنها دقيقة ومؤثرة.

رسائل أمنية تقول إن إريتريا لن تقبل بأي ترتيبات إقليمية تستثنيها أو تهدد توازناتها.

هذه التحركات تؤكد أن الانسحاب من الإيقاد ليس انسحابًا من الإقليم، بل هو دخول من بوابة موازية أكثر حرية ومرونة.

▪️ على الجانب الآخر، تعاني الخرطوم من تردد واضح في إدارة صراع إقليمي لا يحتمل التردد. الإيقاد انحازت ضدها في ملف السودان… وإريتريا خرجت منها… ومع ذلك، لم تُحوّل الخرطوم هذا الواقع إلى فرصة سياسية أو دبلوماسية تعيد بها تموضعها هي الأخرى.

▪️ وزاد من تعقيد المشهد أن جيبوتي نفسها – التي تستضيف مسار الحوار السوداني – وجّهت دعوات رسمية لمجموعة “تأسيس”، الذراع السياسي لقوات الدعم السريع، ضمن آلية تقول إنها “سودانية – سودانية”. وهي خطوة كانت كافية لإعلان اعتراض صريح أو تجميد مشاركة مؤقت من جانب الخرطوم، على الأقل من باب تثبيت موقف سياسي يفترض أن يكون بديهيًا في ظل حرب معلنة مع المليشيا، لكن الخرطوم، بدلاً من تحويل ذلك إلى موقف حازم يُعيد ضبط قواعد الاشتباك الدبلوماسي، آثرت الردود الهادئة، وفضّلت مراقبة المشهد من بعيد… تاركة هامش الحركة للآخرين.

▪️ إريتريا، بخطوتها هذه، قدّمت للسودان مساحة مناورة ضد الإيقاد التي تتبنى طروحات تُعدّها الخرطوم منحازة. لكن هذه المساحة ستظل بلا قيمة إذا استمرت الخرطوم في التردد الذي أصبح جزءًا من صورتها الإقليمية، فالغياب يقابله حضور الآخرين، ومن لا يملأ فراغه يملؤه سواه، وإريتريا اليوم تتحرك لملء هذا الفراغ.

 خلاصـة القـول ومنتهـاه

▪️ هل تدرك الخرطوم أن الانسحاب الإريتري لحظة سياسية قابلة للاستثمار؟

وهل تلتقط إشارة أسمرا بأن الإقليم يُعاد تشكيله،  وأن الغائبين لا مكان لهم على الطاولة؟ وهل تملك الخرطوم إرادة الانتقال من مرحلة التردد إلى مرحلة الفعل، قبل أن تُحسم ترتيبات إقليم يتشكل بدونها؟

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى