محافظ البنك المركزي: الحرب التهمت البنية التحتية.. و يكشف الحقيقة حول “عملة حكومة التأسيس”
بقلم: عطاف عبدالوهاب – بورتسودان
النورس نيوز _ في حديث صريح ومكاشفة نادرة، رسم محافظ بنك السودان المركزي ورئيس الدورة الحالية لاتحاد البنوك المركزية العربية، برعي الصديق، لوحة قاتمة عن واقع الاقتصاد السوداني في ظل الحرب المستمرة، لكنه لم يخلُ من ومضات الأمل في إعادة البناء والاستقرار.
فقد أكد الرجل أن الحرب الدائرة في السودان أحرقت الأخضر واليابس، وتسببت في تآكل أكثر من 20% من رأس مال الاقتصاد الوطني، وقضت على ثروات الشعب التي راكمها عبر مئات السنين. وقال إن البنية التحتية تدمّرت بالكامل، واصفاً حجم الخراب بأنه “هائل وغير مسبوق في تاريخ البلاد”.
ورغم هذا الدمار الشامل، يرى محافظ البنك المركزي أن ما تحقق خلال الشهور الماضية من إعادة تشغيل الجهاز المصرفي وإحياء دورة الاقتصاد يشكل معجزة صغيرة في ظل الظروف الحالية. ففي حواره مع قناة “تي آر تي عربي” التركية، كشف برعي أنهم تمكنوا من إعادة البنك المركزي للعمل خلال فترة وجيزة، وتأمين احتياجات البلاد من السلع الإستراتيجية دون الضغط على سعر صرف الجنيه السوداني.
ويؤكد برعي أن البنك استطاع كذلك إعادة إنتاج العملة الوطنية في الخارج بمواصفات تأمينية عالية، وضخ كميات منها داخل الجهاز المصرفي، ما ساعد على إعادة الدورة النقدية دون أن تتأثر مؤشرات الاقتصاد الكلي.
ويضيف بثقة: “ليس هناك عملة موازية للجنيه السوداني، ولا يوجد انقسام نقدي في البلاد”، نافياً بشكل قاطع الأحاديث المتداولة عن نية ما يسمى بـ“حكومة التأسيس” إصدار عملة جديدة، وواصفاً ذلك بأنه “محض خيال سياسي ومستحيل التنفيذ”.
ويشرح محافظ البنك المركزي أسباب استحالة الخطوة التي يروج لها المعارضون في الخارج قائلاً: “لا توجد لديهم بنية مصرفية ولا غطاء قانوني ولا قدرة فنية لإدارة عملة جديدة”، مضيفاً أن تلك الفكرة انتهت فعلياً بانتهاء اجتماعات نيروبي التي فشلت في خلق أي واقع سياسي أو اقتصادي بديل.
وبرغم حجم الدمار الاقتصادي، يحرص برعي على الإشارة إلى الجهود الجارية للتماسك الاقتصادي، قائلاً إن التحدي الأكبر الذي يواجه البنك المركزي هو إدارة التوازن الدقيق بين دوره التقليدي في دعم واستقرار النشاط الاقتصادي، وبين الالتزام بتحقيق مؤشرات أداء جيدة تحافظ على الثقة بالقطاع المصرفي.
ويبدو أن الرجل يدرك عمق الجرح الاقتصادي الذي خلفته الحرب، لكنه في الوقت نفسه يتعامل معه بعقلانية وواقعية، إذ يؤكد أنهم نجحوا في منع الانهيار الكامل للاقتصاد عبر التعاون الوثيق مع مؤسسات الدولة، وتوفير الإسناد المالي المطلوب للحفاظ على استقرار السوق النقدي والسلعي.
وحين سُئل عن الدعم الدولي والإقليمي، أوضح أن التواصل لم يتوقف مع الأشقاء العرب والمسلمين رغم تعقيدات الحرب، مشيراً إلى أن السودان تلقى وعوداً كثيرة بالدعم، لكنها توقفت مؤقتاً بسبب المخاطر الأمنية وصعوبة التعاملات المالية في ظل النزاع.
وبرعي لم ينسَ أن يوجه شكره للحكومات التي وقفت إلى جانب السودان، وعلى رأسها تركيا وقطر والسعودية والكويت ومصر، لما قدمته من دعم إنساني ملموس، معرباً عن أمله في أن تنتهي الحرب قريباً ليُعاد فتح الأبواب أمام الدعم المالي والإعمار.
وفي حديثه عن المستقبل، شدد محافظ البنك المركزي على أن التعاون العربي والإسلامي بات أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، في ظل التحولات العالمية المتسارعة والمخاطر الجيوسياسية المتزايدة. وقال إن من أبرز الملفات التي سيناقشها اجتماع البنوك المركزية العربية والإسلامية في إسطنبول نهاية الشهر الجاري هي: الأمن السيبراني المالي، ضمان الأمن الغذائي، ومحاربة الفقر في الدول الإسلامية.
كما دعا برعي إلى تبني فكرة إدخال العملات المحلية في منظومة الدفع المالي بين الدول العربية والإسلامية لتقليل الاعتماد على الدولار والعملات الأجنبية، وتخفيف كلفة التعاملات التجارية، وبناء نظام مالي أكثر استقلالية وسيادة.
وفي ختام حديثه، دعا محافظ البنك المركزي إلى قيام تجمع مالي إسلامي موحد، يعيد للأمة الإسلامية قوتها الاقتصادية ويحررها من التبعية للنظام المالي العالمي، مستحضراً فكرة الزعيم التركي الراحل نجم الدين أربكان حول “الدينار الذهبي الإسلامي”، كرمز لوحدة اقتصادية قادرة على مقاومة الهيمنة الغربية.
واختتم برعي قائلاً بنبرة امتزج فيها الحزن بالأمل:
“نحن نعيش في زمن التحديات الكبرى، لكن الإيمان بقدرتنا على النهوض مجدداً هو ما يبقينا واقفين… فالسودان سينهض، كما نهض من قبل، مهما طال ليل الحرب.”











