
تمتلئ ذاكرة الثقافة السودانية بعديد اسماء كبيرة ، اسمهت في اثراء الساحة الثقافية ، وتكوين الذاكرة المجتمعية وبناؤ الوجدان الانساني والثقافي للسودانيين، ولعل واحد من المساهمين الكبار في تاريخنا الثقافي السوداني هو الشاعر والمثقف حسن ابو العلا.
بروفايل: النورس نيوز
ولد حسن عوض أبو العلا في العام 1920م ، من أسرة عُرفت باليسر والرفاهية ، إذ وُلد لأب يعمل بالتجارة ما بين أم درمان وشتى بقاع السودان ، فكانت مدينة سنجة هي المدينة التي شهدت ميلاده وجزءًا من طفولته ، فعاش حياة أبناء «الارستقراط» تحفُّه رعاية والديه هو وتوأمه حسين الذي توفي بعد سنوات قصيرة في دنيا الحياة .
تلقى حسن عوض أبو العلا تعليماً نظامياً ، فلا غرو أن يبزّ أقرانه ، ويعتلي صدارة ترتيبهم حتى مرحلة المدارس العليا ، فكانت جمهورية مصر وجهته لتلقي العلم بإشارة من أهله ، وهناك دخل كلية فكتوريا التي لا يدرس فيها إلا الذين لهم من المال حظوة ، ومن العلم نصيب .
أبرز الطالب النابغة حسن أبو العلا قدرات فذة في جانب الأكاديميات وكتابة الشعر ، فصار يُشار إليه كظاهرة لن تتكرر وهو في تلك السنين الغضة ، كتب أبو العلا على جدارية الكلية مجموعة من الخواطر الأدبية والقصائد الشعرية الخاصة بموضوعات الغزل والمدح.
ثقافة ووعي
كان لاختزانه المبكر من قراءته ومطالعاته في كتب التراث واللغة والأدب السبب في رصانة ما يكتبه ويخطه يراعه ، وفي ما بعد قصائده الغنائية ، وهو كذلك السبب المهم في اقتباساته المتكررة من لغة القرآن والتراث القديم .
في العام الأخير من دراسته بالكلية وحين ممارسته لهوايته المحببة السباحة بمسبح الكلية أصيب بكسر في عنقه إثر اصطدامه بأرضية المسبح الأسمنتية فأصيب بشلل كلي أثر على جسمه والقى بظلاله على حياته التي ارتبطت بهذا الحادث المأساوي، لتهطل على موسوعة الغناء السوداني أغنيات من شاكلة أغنيات الأنفاس الرحمانية لغة وعبارات بل وتراكيب لغوية غاية العذوبة فكانت روائع لا يمكن تجاوزها البتة من موسوعة الغناء السوداني :
بطرى اللي آمال وغاية
وما بتحمي المقدور وقاية
يسلم نهجي من الرماية
سفري السبب لي اذايا
فرقة وفقدان هنايا
بطرى حبيب املي ومنايا
وابكي على هذي النهاية
و ببكي على تهديم بنايا
ليت حبيبي علي ناح
فيك يا مصر أسباب اذايا
وفي السودان همي وعزايا
صابر ولم اعلم جزايا
والتأويه أصبح غذايا
صرت مسلم لي ردايا
زي طاير مكسور جناح
دهري ان صابني بكل خفايا
وحطم وعكر لي صفايا
برضي على حبي ووفايا
واعلم في وجودك شفايا
شي من لا شي بس كفايا
علو بمسّك اجد نصاح
ماذا اؤمل حيران ببكي وبامل
ولهان ببكي وبامل
وحيد ببكي وبامل
آهـ يا هوايا وآهـ يا منايا
وحيد سهران برايا
انيس دمعي وبكايا
آه يا كناري و آهـ يا قماري
طيري لي تعالي
وحيد ليلي ونهاري
وهي أولى أشعاره التي تغنى بها الفنان أحمد المصطفى في العام «1951م» وتحكي مأساته مع الشلل ، ثم تتالت أغنياته فكانت «لاحت بشائر العيد»، و«غرام قلبين»، و«حبيب الروح»، «حرام يا زازة» وهي الأغنيات التي تغنى بها الفنان أحمد المصطفى .
ماساة الشاعر
سكب الشاعر حسن عوض داخل هذه الأغنيات مأساته وكتب قصته التي بدأت منذ إصابته بالشلل . وفي العام «1959م» بدأت علاقة الشاعر الغنائية مع الفنان سيد خليفة فكانت تجربة من تجارب الفن الغنائي الخالدة رغمًا عن قلتها فكانت الألحان الساحرة لسيد خليفة «أسراب الحسان» وهي أغنية استدعى بها أيام دراسته بالإسكندرية وهو شاخص ، وأسراب الجمال تتهادى أمامه على «البلاج» تارة وبصحن الكلية تارة أخرى .
أي سرب يتهادى .. بين أفياء الظلال
يتثني في جمال .. ويغــنّي في دلال
مثل عنقود تدلى .. بشغاف القلب مال
كطيور حالمات .. سابحات في العبير
وصلاة ودعاء .. وابتسام في سـرور
فتنة تمشي الهوينا .. بين منثور الزهور
يا ملاك الحسن مهلاً .. أنت في زهو الشباب
وأنا قد صرت كهلاً .. من جوى الوجد المذاب
لو هوانا كان عدلاً .. ما جفا ثغري الشراب
إن في عينيك سحراً .. ملأ عينيّ سراب
دمعة حرى هتون .. وكؤوس من عذاب
هذا ما نلتُ .. فهاتو ما تبقى يا صحاب
اتركوها في ذراها .. ودعوني للجوى
شغل القلب هواها .. وهي لا تدري الهوى
كم تمنيت لقاها .. وتمناني النوى
وفي أغنية «أمل» نلاحظ أن مأساته مجسَّدة كما هي .
ولى المساء الواله المحزون في جوف الظلام
وانا اهي زينتي واعده مفتخر الثياب
املا لقياك الحبيب يصدني زهو الشباب
امسي مضي بين التحسري والانين
ووسادتي بللتها بالدمع والدمع السخين
مع تباشير الصباح وبسمت الفجر المبين
غنيت مثل الطير فرحه في رياض العاشقين
تسري النسائم عذبة وانا اهيم بلا ملال
وتقودني الامال في دنيا المباهج والخيال
وهناك ارقد في الرمال ولا اري غير الرمال
غدا نكونو كما نوده ونلتقي عند الغروب
غدا تجف مدامعي وتزول عن نفسي الكروب
غدا تعوده مباهجي غدا حبيبي حتما يعود
فتبقى من حياته اسم عملاق في عالم النظم الشعري الغنائي زائداً شخصيته الإنسانية التي تستحق سفراً وتوثيقاً خاصًا بإبداعاته .. انتقل إلى رحمة الله عام 1963م .










