منوعات

الجنائز في غانا .. رقص مبهج وكرنفال من التوابيت الملوّنة

اصدرت الكاتبة والباحثة السويسرية
ريغولا تشومي صور مثير بعنوان:”مدفونون بأناقة: التوابيت الفنية وثقافة الجنازات في غانا”. بعد أنْ قضت أكثر من 20 عامًا توثق التقاليد الجنائزية الفريدة لشعب “غا” في جنوب شرق غانا،  كتاب
يحتوي كتاب تشومي على صور التُقطت بين العامين 2004 و2024، معظمها لشعب “غا” في منطقة أكرا الكبرى، إضافة إلى شعوب “فانتي”، و”الإوي”، و”الأشانتي” في المناطق المجاورة.
وتجمع تشومي هذه الصور في أقسام تغطّي الجنازات المسيحية وتلك التقليدية، إلى صعود راقصي التوابيت في غانا، وتقاليد “عرض الجثمان”، ثم فهرس لتوابيت فنية مصمّمة بحسب الطلب من قِبل حرفيين محليين.
بينما دُفنت قابلة في العام 2011، داخل تابوت على هيئة امرأة بحالة ولادة.
وبالمثل، دفن كاهن في تابوت على شكل إبريق شاي ضخم في العام 2009، في إشارة إلى الإبريق الذي كان يستخدمه خلال ممارسته لطقوسه.
ومن المثير للاهتمام أن المتوفى ليس من يختار تصميم التابوت، بل عائلته، بحسب ما قالت تشومي لـCNN: “العائلة تقصد صانع التوابيت. أحيانًا يكون لدى الفنان فكرة، وأحيانًا العائلة، وأحيانًا يجلبون صورة”.
وأوضحت تشومي أن صناعة التابوت تستغرق عادة بين 5 و10 أيام، وإلى وقت قريب كان النجارون يعملون يدويًا بالكامل
وشرحت أنّ التوابيت لا تعد باهظة الثمن بمعايير الغرب لهذا السبب يفضل صانعوها بيعها إلى الخارج، مضيفة “أن يُشترى تابوت من قِبل متحف أو معرض فني يُعد صفقة كبيرة”.
ويبدو أن توثيق هذه التوابيت ليس بالأمر السهل، فكثيرًا ما تضطر تشومي الانتظار لساعات أمام الورش، لأن غالبًا ما تأخذ العائلات التوابيت فور انتهاء تصنيعها مباشرة.
ومع ذلك، فإن هذا لا يُقارن بصعوبة حضور بعض الجنازات.
ولفتت تشومي إلى أن شعب غا “لا يرحب بالأجانب كثيرًا”، وقد أمضت سنوات كي تكسب ثقة وجهاء القرى، والكهنة، والأشخاص ذوي السمعة داخل مجال تنظيم الجنازات.
وهناك أسباب وجيهة لكون شعب غا يتحفظ على طقوسه. فبحسب ما يشير الكتاب، تمّ قمع العديد من الممارسات الجنائزية التقليدية خلال الحقبة الاستعمارية البريطانية، ما دفع بعض الطقوس التي كانت سرية إلى مزيد من التخفي والسرية.
وبحسب ما ذكرته تشومي، من بين هذه الممارسات كان دفن الموتى تحت أرضيات المنازل، حتى تتمكن روح المتوفى من العودة بسهولة إلى منزل العائلة.
وعندما أجبرت الحكومة الاستعمارية شعب “غا: على استخدام المقابر، فقد عرّضت هذه الرحلة الروحية للخطر. ومع ذلك، تقول تشومي إن هذا التقليد لا يزال يُمارس في بعض المناطق.
وهناك عناصر أخرى من الجنازات التقليدية لم تتمكن تشومي من توثيقها بعد.
وشرحت: “ما زلنا لا نعرف أين يُدفن الزعماء والكهنة”، موضحة أن الزعماء غالبًا ما يُدفنون ليلًا بعيدًا عن أعين الناس، وتُقام جنازاتهم لاحقًا باستخدام تابوت أو محفة فارغة.
غير أنّ الباحثة تمكّنت إلى حد كبير من الوصول إلى تفاصيل دقيقة ونادرة. ويعد بنجامين أيدو، مؤسس فرقة “راقصي التوابيت” الشهيرة، إحدى الشخصيات الرئيسية في قصتها، إذ ساعدها منذ لقائهما الأول في ملطع العقد الثاني من القرن الحالي
ودخل أيدو مجال تنظيم الجنازات كمتدرّب يعمل يومي الجمعة والسبت، بالتوازي مع متابعة تحصيله العلمي في المدرسة الثانوية، وذلك لمساعدة أسرته، وفق ما ذكر في حديثه مع CNN.
ويقول: “أثناء المسير في الجنازات، كنت أرى الناس يبكون وينوحون، وكان الأمر يؤثر فيّ بشدة. حينها سألت نفسي لماذا نحزن؟ يجب أن نحتفل بالموتى”.
وقد تجسّدت هذه القناعة لاحقًا عندما أصبح أيدو متعهّد جنازات يدير شركته الخاصة، المسماة “Nana Otafrija Pallbearing and Waiting Services”، أي خدمات نانا أوتافريجا لحمل النعوش والانتظار
في أحد الأيام من العام 2012، كان يحمل نعشًا أثناء انتظار مراسم الدفن، وكانت الطبول التقليدية تقرع في الخلفية. ويتذكر: “قررت أن أبدأ بالتحرّك يسارًا، ثم يمينًا، ثم يسارًا، ثم يمينًا. وتوقف الناس عن البكاء، ثم بدأوا يصفقون لنا ويرمون المال”.
حينها خطرت له فكرة الاحتراف بهذا المجال. وبدأ أيدو تدريب حاملي النعوش على رقصات منسّقة، واشترى لهم أزياء موحّدة، وبدأ بالسفر عبر البلاد للمشاركة في الجنازات.
ويشير إلى إن العمل ازدهر بشكل كبير قبل جائحة كورونا، حين انتشرت مقاطع الفيديو الخاصة برقصة حاملي النعوش على الإنترنت وأصبحت ظاهرة عالمية، مشيرًا إلى أنه كان يوظّف حوالي 100 شخص في ذلك الوقت.
وتضطلع شركة أيدو بأداء مهام عديدة في يوم الجنازة والليلة التي تسبقها. واليوم أصبح راقصو التوابيت التابعون لأيدو مطلوبين بشدة. وتشير تشومي إلى أن الشركة ألهمت تقليدًا واسع النطاق، لكن لا يتمتّع جميع المقلّدين بالمهارة ذاتها.
وتصف تشومي أيدو بأنه أعز أصدقائها، وأنّ هذه الصداقة مكّنتها من الاطلاع على جوانب من عالم الجنازات تُقام عادة خلف أبواب مغلقة

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى