
عمر سلك.. الطبيب الذي صمد 500 يوم تحت حصار الفاشر قبل أن يقتل
النورس نيوز _ في واحدة من أكثر القصص الإنسانية إيلاماً التي خرجت من دارفور، كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن تفاصيل حياة واستشهاد الدكتور عمر سلك، آخر الأطباء الذين بقوا في مدينة الفاشر المحاصرة، والذي تحوّل إلى رمز لصمود المدنيين وسط حصار مليشيا الدعم السريع. فقد عُرف سلك بشهادته المؤثرة عن معاناة مئات الآلاف من سكان دارفور تحت وطأة الحصار والقصف والمجاعة، قبل أن يلقى حتفه بصاروخ أطلقته طائرة مسيّرة قالت الشهادات الميدانية إنها واحدة من المسيّرات التي وفرتها الإمارات للمليشيا، رغم إنكار أبوظبي المتكرر لدعم أي طرف في النزاع، غير أن الوقائع على الأرض تشير إلى دورها المباشر في إطالة أمد الحرب.
قضى الدكتور عمر سلك أكثر من خمسمائة يوم في مستشفى تعرض للقصف ثلاثين مرة، وأجبره الواقع على التحول من طبيب مدني إلى مسعف ميداني يعالج إصابات الرصاص والقذائف، ويبتكر حلولاً بدائية مع انعدام الدواء والمعدات. فقد اضطر وزملاؤه لاستخدام شباك البعوض كضمادات، بينما تفشت الملاريا والكوليرا في العنابر، ولم يكن الطعام أفضل حالاً، إذ اضطر هو وسكان المدينة إلى أكل علف الحيوانات بعدما اختفت المؤن. وقد ظهر ذات مرة في مقطع مصور وهو يتناول طبقاً من الطعام المخصص للإبل والأبقار، في مشهد جسّد كيف جُرد البشر من إنسانيتهم داخل الفاشر.
ورغم تلك الظروف القاسية، ظل سلك متماسكاً ومبتسماً، وفي مقابلة عبر الإنترنت الفضائي قال مبتسماً: “أشعر أنني إنسان مرة أخرى”، في لحظة نادرة من الأمل وسط ظلام الحصار. لكن هذه الابتسامة كانت الأخيرة، إذ لم تمضِ أيام حتى قصفت طائرة مسيّرة مسجداً أثناء صلاة الفجر، فقتلت نحو 75 شخصاً بينهم سلك، ليترك خلفه فراغاً هائلاً في مدينة أنهكتها المجاعة والقصف اليومي، وتركت ذكراه شاهداً على معاناة شعب يواجه الموت في صمت العالم.
المقال أشار إلى أن حصار الفاشر بدأ في أبريل 2024 عقب طرد قوات الدعم السريع من الخرطوم، حيث ردّت المليشيا بفرض حصار خانق على المدينة مستخدمة جداراً ترابياً ضخماً يمتد 42 ميلاً، وأطلقت النار على كل من حاول الفرار ليلاً. كما كشف التحقيق عن وجود مرتزقة أجانب من كولومبيا يقاتلون جنباً إلى جنب مع المليشيا، ما يسلط الضوء على الأبعاد الدولية للصراع. ورغم أن سلك أرسل زوجته وأطفاله إلى الخرطوم، فإنه بقي في المدينة قائلاً: “لا أستطيع أن أترك هؤلاء الناس خلفي”.
رحيل الطبيب الشجاع أعاد إلى الأذهان مجازر الجنينة عام 2023 حين ارتكبت قوات الدعم السريع عمليات قتل جماعي ذهب ضحيتها أكثر من 15 ألف شخص بحسب تقديرات الأمم المتحدة، وهو ما يعزز المخاوف من تكرار سيناريو مشابه إذا سقطت الفاشر. ورغم الجهود الدبلوماسية التي يقودها المبعوث الأمريكي مسعد بولس لفتح ممرات آمنة لدخول المساعدات الإنسانية، إلا أن مصير ربع مليون إنسان محاصرين في المدينة ما زال معلقاً، وسط خشية من منع المليشيا وصول تلك المساعدات إلى المناطق التي تسيطر عليها القوات المسلحة السودانية.
قصة الدكتور عمر سلك لم تعد مجرد سيرة رجلٍ واجه الموت ببسالة، بل أصبحت رمزاً لصمود مدينة كاملة تُركت تواجه الإبادة والمجاعة بصمت العالم، فيما تواصل مليشيا الدعم السريع الحصول على الدعم والتسليح عبر مسارات خارجية أبرزها الإمارات، التي ارتبط اسمها بشكل مباشر بالمسيّرات القاتلة التي أنهت حياة الطبيب وأوقعت مئات الضحايا الأبرياء. وبينما يظل المجتمع الدولي متفرجاً، يترقب السودانيون بقلق ما إذا كان سقوط الفاشر سيكتب فصلاً جديداً من الإبادة في دارفور.











