مقالات

أسامه عبد الماجد يكتب: الموقف المصري !! 

أسامه عبد الماجد يكتب:

الموقف المصري !!

 

0 لا شك أن الموقف المصري تجاه السودان عند تمرد مليشيا أولاد دقلو الإرهابية المتوحشة.. كان موقفاً قوياً داعماً للسودان دولة وشعباً ومؤسسات.. وقد نجح الرئيس السيسي آنذاك في جمع كل رؤساء وزعماء دول جوار السودان.. وهو حشد فريد من نوعه، وذلك بحضور رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي وأمين عام جامعة الدول العربية.. بعد مرور ثلاثة أشهر فقط على تمرد الباغي الشقي حميدتي. وقد اتفق المشاركون نصاً على: (التأكيد على الاحترام الكامل لسيادة ووحدة السودان وسلامة أراضيه، وعدم التدخل في شئونه الداخلية، والتعامل مع النزاع القائم باعتباره شأناً داخلياً.. والتشديد على أهمية عدم تدخل أي أطراف خارجية في الأزمة بما يعيق جهود احتوائها ويطيل من أمدها).

0 كما ورد في البيان الختامي التأكيد على

(أهمية الحفاظ على الدولة السودانية ومقدراتها ومؤسساتها، ومنع تفككها أو تشرذمها وانتشار عوامل الفوضى بما في ذلك الإرهاب والجريمة المنظمة في محيطها، وهو الأمر الذي سيكون له تداعيات بالغة الخطورة على أمن واستقرار دول الجوار والمنطقة ككل).

0 ثم واصلت مصر جهودها لمساندة السودان في مسألة العودة إلى الاتحاد الأفريقي.. إذ ترأس سفيرها لدى إثيوبيا، المندوب الدائم لدى الاتحاد الأفريقي والرئيس الدوري لمجلس السلم والأمن لشهر أكتوبر 2024.. وفد المجلس الذي زار بورتسودان والتقى الرئيس البرهان.. لكن ما حدث لاحقاً ؟.. كان مفاجئاً إذ انضمت مصر إلى نادي الرباعية بعد الانسحاب الشكلي لبريطانيا.. وبدأت تتبنى موقف الرباعية التي رفضها الشعب السوداني أكثر من أصحابها أنفسهم.. واليوم في منتدى الدوحة بقطر التقى وزير خارجية مصر بدر عبد العاطي مبعوثة أوروبية للقرن الأفريقي وأكد لها حرص القاهرة على تنفيذ خارطة الرباعية.

0 ولم يتوقف الأمر عند ذلك، إذ أطلق الوزير عبد العاطي اليوم دعوة مبطنة للتدخل الدولي في السودان.. عندما تحدث عن ضرورة الدفع نحو إنشاء ملاذات آمنة في دارفور لا تكون خاضعة للمليشيا.. وإنما لجهة محايدة – دون أن يسميها – مبرراً ذلك بتمكين المواطنين من اللجوء إليها دون التعرض للقتل أو الاغتصاب أو الحرق.. وجاءت تصريحات الوزير لقناة الجزيرة ونقلتها صحف مصرية، منها الشروق.

0 بصراحة باتت تصريحات القاهرة غير مطمئنة، بل مصدر قلق حقيقي.. وتشير إلى تطورات خطيرة في المشهد السوداني خافية على الشعب السعودية.. وقد رصدت نحو تسعة أخبار لوزير الخارجية عبد العاطي تبدأ بالتأكيد على الرفض المصري القاطع لتقسيم السودان.. (بما فيها خبر الملاذات) مع التشديد على ضرورة الحفاظ على وحدة السودان وسلامة أراضيه ومقدرات شعبه. وهي تصريحات تبدو في ظاهرها مطمئنة، لكنها تحمل في باطنها قدراً من التهويل والترهيب.

0 فمن الذي قال لمصر إن السودانيين سيقبلون بالتقسيم؟ ومن الذي تحدث عن التقسيم أصلاً ؟ حتى المليشيا الجنجويدية الإرهابية، في حكومتها البوكو بنيالا، لم تتحدث عن تقسيم السودان.. ومصر في نظرتها للسودان، تضع مصالحها أولاً، وهذا أمر طبيعي، فمن حقها الحفاظ على مصالح شعبها والسعي لتحسين وضعه الاقتصادي.

0 ومن حقها كذلك تعزيز علاقاتها مع الإمارات التي ضخت مليارات في الاقتصاد المصري.. فقد كشف الوزير المفوض التجاري المصري في الإمارات في أكتوبر الماضي أن حجم الاستثمارات الإماراتية في مصر بلغ حتى نهاية فبراير 2025 نحو 21.8 مليار دولار.. وكما هو معلوم أن نحو 40٪ من الودائع المصرفية في البنوك المصرية تأتي من دول عربية.. في مقدمتها الإمارات. وكما هو معلوم أن حجم الدين الخارجي المصري يبلغ نحو 160 مليار دولار.. وأي تراجع في تدفقات النقد الأجنبي سيجبر البنك المركزي على خفض احتياطياته البالغة حوالي 50 مليار دولار للوفاء بالالتزامات.

0 كما نعلم أن الحرب الروسية الأوكرانية أثرت بشكل كبير على الاقتصاد المصري لاعتماده الكبير على واردات البلدين.. فمصر أكبر مستورد للقمح في العالم، وتشكل وارداتها من القمح من روسيا وأوكرانيا نحو 80% من احتياجاتها، وحوالي 30% من واردات الذرة، و90% من زيت عباد الشمس (والأرقام من دراسات مصرية). ووفق دراسة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2022، فقد انخفضت دخول نحو 20% من الأسر المصرية بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية، التي ما زالت آثارها ممتدة حتى اليوم.

0 وفي 2022، أكد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أن كلفة الأثر المباشر للحرب الروسية الأوكرانية.. على الموازنة تبلغ (130) مليار جنيه سنوياً، إضافة إلى تكلفة غير مباشرة تصل إلى (335) مليار جنيه سنوياً.. “وقتها كان الدولار يعادل 24.37 جنيه”.. كما تأثرت السندات المصرية المطروحة عالمياً، ما يزيد العجز ويضعف قدرة الاقتصاد على سداد الالتزامات الخارجية، نظراً لاعتماد الحكومة على طرح السندات لجذب تدفقات النقد الأجنبي.

0 وتراجعت تدفقات النقد الأجنبي لعدة أسباب.. منها تداعيات الحرب اليمنية على قناة السويس، وأحداث غزة والشرق الأوسط، وسد النهضة.. وتذبذب حركة السياحة منذ جائحة كورونا واتجاه السياح لوجهات أخرى مثل إسبانيا وتركيا وأذربيجان وجورجيا وغيرها.. مما جعل نمو احتياطيات البنك المركزي المصري أقل من معدل النمو الاقتصادي.

0 كما أن نهوض سوريا مجدداً سيكون له تأثير كبير على السياحة والتجارة في مصر.. بدليل أن السعودية اتجهت بقوة نحو دمشق.. وأعادها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى المنظومة الدولية (عقبالنا).. واحتضنت سوريا مؤخراً أول ملتقى استثماري خارجي للشركات السعودية التي وقعت (86) اتفاقية بقيمة نحو 6 مليار دولار.

0 خلاصة ذلك لا أحد يلوم مصر على تقديراتها للأوضاع في السودان.. لكن مع ضخامة المصالح المصرية مع الإمارات فإن أي تشظٍ أو انهيار محتمل في السودان ستكون انعكاساته خطيرة على أمن مصر ومستقبلها.. وكلفته اكبر من حجم استثمارات الامارات.. في وقت لم يعد لدى السودانيين ما يمكن أن يخسروه أكثر مما خسروا.

0 وعلى مصر أن تعيد قراءة المشهد من جديد.. ومن باب المحبة والمودة للقاهرة، ولروابط الإخوة والجوار، ننصحها بالعمل على عقد مصالحه بين السودان والإمارات، بحيث يتوقف السودان عن التشهير بالإمارات والإضرار بسمعتها أمام المجتمع الدولي.. مقابل شرطين، رفع يد الإمارات عن السودان، والمساهمة في إعادة الإعمار عبر شركات مصرية – ولا بأس بتعاقدها من الباطن مع شركات إماراتية – وستكسب القاهرة من هذه الخطوة أكثر مما تكسبه الآن.. إذ قد تزيد الاستثمارات الإماراتية، كما أن استقرار العلاقة بين السودان والإمارات يمكن أن يفتح الباب لزيادة حركة التجارة عبر البحر الأحمر.. والوساطة ستمنح مصر تأثيراً في أي ترتيبات مستقبلية داخل السودان.. مما يضمن مصالحها واستقرار حدودها الجنوبية، ويسهل مشاريع الربط الكهربائي والزراعي.. وهي مشاريع حيوية لمصر التي تواجه تحديات في المياه والأمن الغذائي.. وقد تحصل مصر كذلك على دعم أو تسهيلات مالية من الإمارات تقديراً لدورها.. والوساطة ستعزز صورتها كوسيط إقليمي موثوق وهو دور يمكن ان تخطفه منها السعودية أو قطر او سلطنة عمان.

0 ومهما يكن.. فالسودانيون ما زالوا يرمون مصر بالدعوات.. ولا نريد لها ان يلاحقوها باللعنات.

 

الأحد 7 ديسمبر 2025

Osaamaaa440@gmail.com

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى