
الإيقاد وسراب الوساطة.. حين تتحول التنمية إلى جدل سياسي
بقلم✍️ زحل السعيد عثمان
تُعدّ الهيئة الحكومية للتنمية (الإيقاد)، التي تأسست عام 1996 ومقرها الدائم جيبوتي، منظمة شبه إقليمية تضم في عضويتها ثماني دول هي: جيبوتي، السودان، جنوب السودان، الصومال، إثيوبيا، إريتريا، كينيا، وأوغندا. تتنوع أهداف الإيقاد لتشمل الأمن الغذائي، حماية البيئة، التكامل الاقتصادي، والحفاظ على الأمن والسلم وتعزيز حقوق الإنسان. ومع ذلك، تشير التطورات الأخيرة في السودان إلى تحول جوهري في دور المنظمة، من هيئة تنموية إلى كيان يغلب عليه الانغماس في الجدل السياسي.
🛑 تجميد العضوية وتسييس الدور
في خضم الحرب المشتعلة في السودان، انحصر دور الإيقاد بشكل كبير في الجانب السياسي والأمني، مُركزة جلّ جهدها على عقد القمم والمفاوضات السياسية. هذا التركيز، الذي اعتبرته الحكومة السودانية تعديًا على سيادة الدولة وتدخلاً في الشؤون الداخلية، أدى إلى رد فعل رسمي حاسم تمثل في تجميد عضوية السودان في 20 يناير 2024.
إن هذا التحول في الأداء يطرح تساؤلاً جوهريًا: ما قيمة الوساطة السياسية التي تفشل في ترجمة لغة الدبلوماسية إلى أفعال إنسانية ملموسة؟
💔 ضعف الاستجابة وغياب الفاعلية الإنسانية
بالمقارنة مع الكارثة الإنسانية الهائلة التي يعيشها السودان – وهو أحد الأعضاء المؤسسين للمنظمة – يظهر دور الإيقاد في الملفات الإنسانية ضعيفًا ومحدود التأثير. هذا القصور غير مقبول، خصوصًا وأن الأوضاع في السودان تتطلب دعمًا على كافة المستويات.
إن المقاربة المتبعة من قبل الإيقاد هي تسييس العمل الإنساني وجعله رهناً للتوصل إلى تسوية سياسية أو أمنية، وهو ما أدى إلى غياب الفاعلية الميدانية. بينما كانت القمم تُعقد، كان ملايين السودانيين يواجهون المجاعة والنزوح والموت.
فرص ضائعة لتخفيف المعاناة:
كان بالإمكان للإيقاد أن تُظهر فاعلية أكبر من خلال:
* الاستجابة الإنسانية المباشرة: تسهيل وصول المساعدات عبر الدول الأعضاء الحدودية مع السودان (جنوب السودان، إريتريا، إثيوبيا).
* المناصرة والمساءلة: استغلال منصاتها لتسليط الضوء على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني، والضغط من أجل المساءلة.
لقد وضع هذا الدور السلبي علامات استفهام كبرى حول قدرة الهيئات الإقليمية على التوفيق بين متطلبات الوساطة السياسية المعقدة وضرورات الاستجابة الإنسانية العاجلة.
💡 خارطة طريق لإعادة الانخراط وتفعيل الدور
إن تجاوز هذه المرحلة يتطلب من الطرفين (السودان والإيقاد) خطوات واضحة ومتبادلة تهدف إلى استعادة الثقة وتفعيل الدور الإقليمي المنشود للإيقاد:
1. شروط واضحة لرفع التجميد (إعادة الانخراط):
يجب على الحكومة السودانية صياغة شروط محددة وشفافة لرفع تجميد العضوية، تشمل:
* الاحترام الكامل لسيادة السودان: التزام الإيقاد بعدم التعامل مع أي جهات غير رسمية باعتبارها ممثلاً للدولة.
* التزام الإيقاد بالحياد التام: إصدار بيان أو قرار رسمي يؤكد حياد المنظمة والعمل على حل شامل يرضي الأطراف السودانية كافة.
2. تفعيل الآليات الإنسانية والتنموية:
* آليات إنسانية بتمويل الإيقاد: تفعيل آليات للاستجابة الإنسانية العاجلة تمولها الإيقاد وتتم تحت إشراف وتنسيق كامل مع الحكومة السودانية، لضمان السيادة والوصول الفعال.
* إعادة تفعيل المراكز الإقليمية: إعادة افتتاح وتفعيل المركز الإقليمي للإيقاد في السودان، وتفعيل مركز الطوارئ الصحية، مع منح السودان حصته العادلة من الوظائف داخل هيكل الإيقاد.
إن مستقبل الإيقاد كمنظمة إقليمية ذات أهمية تنموية وأمنية مرتبط بقدرتها على إثبات أنها قادرة على تجاوز “الجدل السياسي” والوفاء بمهامها الإنسانية والتنموية، خاصة تجاه أحد أعضائها المؤسسين الذي يواجه واحدة من أسوأ الأزمات في تاريخه.










