أخبار

ثوران مفاجئ لبركان «هيلي جوبي» في إثيوبيا هل يؤثر علي السودان

النورس نيوز

ثوران مفاجئ لبركان «هيلي جوبي» في إثيوبيا

النورس نيوز _ في تطور جيولوجي غير مسبوق منذ آلاف السنين، شهدت إثيوبيا حدثاً اهتز له المجتمع العلمي العالمي بعد ثوران بركان «هيلي جوبي» الخامد في إقليم عفر شمال شرقي البلاد، في مشهد فاجأ الأوساط الجيولوجية وأعاد تسليط الضوء على واحدة من أكثر المناطق حساسية في العالم من حيث النشاط التكتوني. البركان الذي يرقد في قلب مثلث عفر، المنطقة التي تتلاقى فيها ثلاث صفائح قارية كبرى، عاد للحياة بعد صمت امتد بين عشرة إلى اثني عشر ألف عام، مطلقاً أعمدة هائلة من الرماد البركاني والغازات الساخنة التي اخترقت طبقات الجو العليا ووصل ارتفاعها إلى أكثر من 14 كيلومتراً، الأمر الذي أدى إلى انتشارها عبر القارات بفعل الرياح القوية في الطبقات العليا.

 

 

 

 

وشوهدت سحابة الرماد الكثيفة وهي تتقدم بسرعة في اتجاهات متعددة خلال ساعات قليلة من الانفجار، حيث رصدت الأقمار الصناعية التابعة لبرنامج «سنتينل 2» الأوروبية ونظام «هيمواري» الياباني تحرك السحب البركانية فوق اليمن وسلطنة عمان والإمارات، قبل أن تمتد إلى شمال غرب الهند وجنوب باكستان، ما تسبب في حالة من القلق الدولي خاصة في قطاع الطيران، نظراً للمخاطر التي يشكلها الرماد البركاني على محركات الطائرات وكفاءة الرؤية الجوية. ودفعت هذه التطورات هيئة الطيران الهندية إلى تعليق الرحلات مؤقتاً فوق أجواء راجستان وجايبور ودلهي كإجراء احترازي، فيما أكدت سلطنة عمان تسجيل تلوث جوي طفيف لا يشكّل خطراً صحياً على المواطنين في الوقت الحالي.

اللافت أيضاً أنّ هذا الثوران كشف عن ضعف أنظمة المراقبة البركانية في إثيوبيا، حيث لم يتم رصد أي مؤشر مسبق من قبل المراكز المحلية، واكتُشف الحدث بداية بواسطة سكان قرية أفديرا الذين شاهدوا التوهج البركاني وتصاعد الدخان، قبل أن تلتقطه أنظمة الرصد العالمية. وأبدى العلماء دهشتهم من غياب نظام إنذار مبكر في منطقة تُعد من أهم نقاط النشاط التكتوني على مستوى العالم، خاصة وأنها تضم سلسلة من البراكين النشطة وعلى رأسها بركان «إرتا أليه» القريب الذي يشتهر ببحيرة الحمم المشتعلة المستمرة.

 

 

 

ويرى متخصصون في الجيولوجيا أنّ ما حدث في هيلي جوبي ليس مجرد ثوران معزول، بل قد يكون جزءاً من عملية تمدد تكتوني أوسع في وادي الصدع الأفريقي، المنطقة التي تشهد انفصالاً تدريجياً للقارة منذ ملايين السنين. وقال الدكتور جيمس هاموند، أستاذ الجيوفيزياء بجامعة بيركبيك في لندن، إن المنطقة شهدت منذ عام 2005 سلسلة من الشقوق العميقة التي أُطلق عليها «حدث دبابهو الزلزالي»، ما يشير إلى تطور كبير في حركة الصفائح، وإن الثوران الحالي ربما يمثل امتداداً طبيعياً لهذه العملية التكتونية المستمرة. وأوضح أن انتقال الصهارة أفقياً من بركان «إرتا أليه» إلى «هيلي جوبي» يُعد تفسيراً علمياً منطقياً، خاصة مع وجود أنفاق وقنوات تحت سطحية تربط بين البراكين في المنطقة.

 

 

 

 

غير أن التفسير الأكثر إثارة للجدل الذي طُرح بين العلماء يتعلق بوجود تأثير محتمل لسد النهضة الإثيوبي العملاق، الذي يبعد حوالي 250 كيلومتراً عن موقع الثوران. ويشير بعض الباحثين إلى أن الخزانات المائية الضخمة قد تسبب ضغوطاً تكتونية أو زلازل مُحفَّزة تُعرف بـ Reservoir-Induced Seismicity، خاصة وأن السد يحمل حالياً أكثر من 64 مليار متر مكعب من المياه، وهي كمية تفوق بستة أضعاف خزان سد كوينا في الهند الذي تسبب في زلزال قوي عام 1967. ورغم أن هذا الرابط لا يزال تحت الدراسة ولم يُثبت بشكل قاطع، إلا أن العلماء يؤكدون أن وزن المياه الهائل يمكن أن يؤثر بشكل غير مباشر على مناطق الضعف التكتوني في محيط منطقة عفر.

ولأن المنطقة تُعد واحدة من أكثر المناطق حساسية جيولوجياً في العالم، فإن ثوران هيلي جوبي يُعتبر محفزاً جديداً للقلق الدولي بشأن مصير الصدع الأفريقي، ذلك الشق الضخم الذي يمتد من البحر الأحمر مروراً بإثيوبيا وكينيا وتنزانيا، والذي يتوقع العلماء أن يتحول إلى محيط جديد يفصل القرن الأفريقي عن بقية القارة خلال ملايين السنين القادمة. ويؤكد الخبراء أن أي تغير في النشاط البركاني أو الزلزالي في هذه البقعة يمكن أن يحمل تأثيرات تمتد إلى آلاف الكيلومترات وتطال دولاً عديدة.

 

 

 

ويزيد هذا الحدث من تساؤلات المجتمع الدولي حول مدى استعداد إثيوبيا لمواجهة نشاط تكتوني متصاعد، خاصة في ظل غياب أنظمة مراقبة دقيقة أو بنية تحتية قادرة على التعامل مع التغيرات الجيولوجية المفاجئة. كما يدعو العلماء إلى ضرورة إنشاء شبكة رصد إقليمية مشتركة بين دول القرن الأفريقي، لتفادي المفاجآت التي يمكن أن تحمل آثاراً بيئية واقتصادية وسياسية واسعة.

ورغم كل التحليلات، يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً: هل يشكل ثوران «هيلي جوبي» بداية مرحلة جديدة من النشاط البركاني المكثف في المنطقة؟ الإجابة لا تزال غير واضحة، والعلماء ينتظرون الأيام والأسابيع القادمة لاستخلاص مزيد من الإشارات. لكن المؤكد أن ما حدث يعكس طبيعة المنطقة المتقلبة، ويشير إلى أن الطبيعة لا تهدأ أبداً، وأن القوى الجيولوجية التي تشكّل سطح الأرض لا تزال تعمل بلا توقف، في صمت طويل يعقبه انفجار مفاجئ يعيد تذكير العالم بأن تحت أقدامنا عالماً كاملاً يتحرك باستمرار.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى