أسامه عبد الماجد يكتب:
خطاب البرهان (23 نوفمبر) .. (10) ملاحظات
0 أولاً: اختار البرهان المنبر الذي يتحدث منه بعناية وذكاء، وهو منبر ضم أكبر حضور عسكري رفيع منذ اندلاع الحرب.. وقد جاء ذلك بحضور مساعده ياسر العطا، مبدداً ما تروجه بعض الجهات عن وجود خلاف بينهما حول الحرب.. كما حضر مساعده إبراهيم جابر، ورئيس الأركان ونوابه، وضباط برتبة لواء وما فوق من مختلف القوات النظامية.. إضافة إلى نائبي مديري المخابرات والشرطة وممثل القوات المشتركة.. في رسالة واضحة تؤكد وحدة القوات النظامية والموالية حول الموقف الوطني.. وإثبات أن أي تسوية لا تحظى بموافقة القوات النظامية ستكون غير قانونية وغير مقبولة.. ما يعزز تماسك القوات النظامية ويرفع جاهزية ضباطها ويزيد من التفافهم حول القيادة.
0 ثانياً: للمرة الأولى تحدث البرهان بصراحة مطلقة عن الرباعية، واعتبرها غير محايدة ثم شيعها.. وتعكس هذه الصراحة شعوره بأن الوضع الحالي يهدد وجود الدولة ووحدة الجيش، وليس مجرد خلاف سياسي عابر.. ووصف الورقة التي قدمها المبعوث الأمريكي مسعد بولس بأنها “أسوأ ورقة” طرحت، لاحتوائها أربع نقاط خطيرة.. تجاوز المؤسسة العسكرية، حل الأجهزة الأمنية، الإبقاء على المليشيا، وتوظيف فزاعة الإسلاميين لتفكيك الجيش.
0 ثالثاً: أعلن موقف السودان من دول الرباعية.. امريكا اعتبر مبعوثها بولس شخصاً غير مرغوب فيه، مستنداً إلى خمسة أسباب.. يريد فرض شروط ويبدو عقبة في سبيل السلام – يتحدث بلغة تهديد مرفوضة حيث اتهم الحكومة باعاقة ايصال القوافل الإنسانية وزعم استخدامها أسلحة كيميائية.. اطلق أحاديث ما هي إلا صورة من أبواق صمود وتأسيس والمليشيا.. يتحدث بلسان الإمارات ويقرر في مستقبل العملية السياسية التي هي شأن سوداني خالص.
0 رابعاً: أما الإمارات فقد تناولها البرهان بصراحة غير مسبوقة، في تحول مهم في مسار المواجهة الدبلوماسية.. ورأى أن وجودها ضمن المسهلين يضع الرباعية في موضع الشبهة.. خاصة بعد أن شهد العالم دعمها للمتمردين. الرسالة هنا أن أي تسوية تشارك فيها أبوظبي لن تكون مقبولة لدى الدولة السودانية ولا لدى الجيش.
0 خامساً.. بالنسبة السعودية، فقد أبدى البرهان تقديراً واضحاً لوساطة ولي العهد، واصفاً مبادراته بأنها “صوت الحق وصوت المنطق”.. وهذا يعكس نظرة السودان للسعودية كطرف محايد قادر على تسهيل عملية السلام دون الإضرار بموقف الجيش، بخلاف بقية أطراف الرباعية.. لكنه في الوقت نفسه لم يغير موقفه من الورقة الأمريكية – الإماراتية.. بل فتح الباب لدور سعودي يحقق توازناً داخلياً بعيداً عن تدخلات تخدم المليشيا.. واستند في ذلك إلى أن أمن البحر الأحمر مسؤولية مشتركة.. وكنت قد اقترحت الاسبوع الماضي ضرورة مقابلة البرهان لمحمد بن سلمان لجعل السعودية نقطة توازن في أي مسار تفاوضي.. ولكن من الضروري أن تدرك السعودية ومصر أن مواقف البرهان تمثل تصعيداً واعياً لحماية سيادة السودان ووحدة جيشه.
0 سادساً: أما مصر، فقد كانت الرسالة غير المباشرة إليها واضحة.. مباركتها لأسوأ ورقة تآمرية يفرض عليها إعادة توضيح موقفها.. بدلاً من تكرار “موال” الرباعية، كما يحدث في كل تصريحات وزير خارجيتها وآخرها في قمة العشرين.. ويجب ان تنتبه القاهرة إلى أن ورقة الرباعية “راحت في الكزوزة” وفق التعبير المصري الشعبي.. ولنتحدث بصراحة فمعلوم أن لمصر مصالح اقتصادية مع الإمارات.. خاصة مع حجم دينها الخارجي البالغ نحو 160 مليار دولار.. إلى جانب التحديات الإقليمية التي تحاصرها
(تأثير الحرب اليمنية علي تدفق التجارة عبر قناة السويس، قضية سد النهضة، أحداث غزة والشرق الأوسط، عدم استقرار الأوضاع الأمنية في دول الجوار).. ورغم ذلك عليها ان تدرك ان مصالحها مع السودان أعمق وأطول مدى (الحدود، التجارة، الذهب، الأمن، ومكافحة الإرهاب)
0 سابعاً: من أبرز نقاط الخطاب تناول البرهان لملف الإسلاميين من زاويتين..
الأولى، نزع الشرعية عن السردية التي يكررها بولس – بتأثير إماراتي – حول الإسلاميين داخل الجيش، باعتبارها فزاعة سياسية لا تعكس واقعاً.. الثانية، طمأنة الداخل بأن الجيش موحد وغير مخترق، وأن قيادته تملك القدرة على الإصلاح الهيكلي بنفسها، مع رسالة موازية للخارج بأن تلك الاتهامات غير صحيحة ولا يمكن اعتمادها لتبرير أي وصاية خارجية.
0 ثامناً: قدم البرهان تلخيصاً واضحاً للموقف العسكري الرافض للضغوط الإقليمية والدولية، قائلاً: “لا أحد يستطيع تهديدنا أو إملاء شروط علينا”.. وبذلك وضع حداً للجدل حول صمته طوال الفترة الماضية.. مؤكداً أن القرار بيد المؤسسة العسكرية وحدها.. وأعلن استعداد الجيش لاستعادة كردفان ودارفور، باعتبار الحرب هناك معركة وجود.. مستخدماً عبارات حاسمة مثل “سنطردهم” و”النصر حليفنا طالما نحن على حق”، في إشارة إلى استعداد لمعركة طويلة دون تنازلات.
0 تاسعاً: طمأن البرهان المجتمع الدولي بأن الحكومة ليست عائقاً أمام المساعدات.. وأنها منفتحة على السلام، متهماً المليشيا بتعطيل الإغاثة وعدم الالتزام بقرارات مجلس الأمن.. وانتقد المجتمع الدولي لتقاعسه في مواجهة الوضع الإنساني في الفاشر. ونجح في إبراز الحكومة كطرف شرعي يحترم القانون الدولي، مقابل مليشيا متمردة تعرقل المسار الإنساني. كما أكد أن أي وقف لإطلاق النار لن يتم إلا بعد انسحاب المليشيا وتجميعها.
0 عاشراً: من أقوى فقرات الخطاب قوله: “لا أحد يستطيع فرض حمدوك أو حميدتي علينا”و “الحالمون بحكم السودان وعلى رأسهم حمدوك لن يحكموه مجدداً”.. وهذا رد مباشر على الشائعات حول وجود تفاهمات سرية بينه وقحت ، وطمأنة لحلفائه السياسيين في الحركات.. وقطع للطريق أمام من يصورونه متراجعاً أو واقعاً تحت ضغوط.. كما تحدث عن “القابعين بالخارج ودعاهم للعودة لمواجهة السودانيين”.. في هذا رسالتين.. نزع الشرعية عن المعارضة الخارجية، وإبراز أن أي بديل للسلطة الحالية يجب أن يواجه اختبار الداخل. وهذا يعزز موقف كامل إدريس ويدعم حكومته وانه صاحب الشرعية.
0 ومهما يكن من امر.. ظهر الرئيس أمس بصورة جديدة.. ويستحق الدعم الكامل والمؤازرة.. ولكن يحتاج توفير اجابة عن سؤال “وماذا بعد؟”.. عليه التركيز على خارطة الطريق السودانية.. التمسك بإلزام المليشيا بالانسحاب من المدن.. رفض أي ضغوط خارجية تنال من سيادة الدولة أو دور الجيش، تقييم أي وساطة وفق معيار الحياد، خاصة مع دخول تركيا وقطر على خط الأزمة.. تجهيز الرأي العام لأي خطوات ضد المليشيا ورفض أي مقترح يبقيها في مواقعها أو ينتقص من دور القوات المسلحة. إضافة إلى استصحاب عبارة أن الجيش يقاتل التمرد لا المكونات الاجتماعية، وأن السودان كله مستهدف، ومعركة الكرامة معركة بقاء لكل السودانيين.
الاثنين 24 نوفمبر 2025
Osaamaaa440@gmail.com











