
دراسة عالمية تفجّر الجدل من جديد: أدلة ضعيفة تنفي ارتباط الباراسيتامول بالتوحد وفرط الحركة
النورس نيوز _ أعادت مراجعة علمية جديدة النقاش حول واحد من أكثر الملفات الطبية إثارة للجدل في السنوات الأخيرة، بعدما أكدت نتائج شاملة أن تعاطي الباراسيتامول أثناء الحمل لا يقدم دليلاً مقنعاً على ارتباطه بارتفاع نسب التوحد أو اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه لدى الأطفال، وهي المخاوف التي شكلت مصدر قلق واسع لدى كثير من الأمهات.
وجاءت هذه الخلاصة عقب سلسلة مطالبات عالمية بمراجعة سلامة الدواء بعد تصريحات سياسية وطبية متباينة، أبرزها تلك التي صدرت قبل سنوات عن إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والتي أوصت باستخدام الدواء “بأقل جرعة ولأقصر فترة ممكنة” خشية تأثيراته المحتملة على الأجنة.
لكن الدراسة الأخيرة، التي نشرت نتائجها في المجلة الطبية البريطانية، قلبت المعادلة من جديد، إذ اعتمد الباحثون على تحليل تسع مراجعات منهجية سابقة تضم 40 دراسة رصدية، لتخلص إلى أن جودة الأدلة المتوفرة ضعيفة للغاية ولا يمكن اعتمادها في بناء علاقة سببية بين الدواء وحالات التوحد أو فرط الحركة.
وأشارت المراجعة إلى أن غالبية الدراسات السابقة عانت من مشكلات في التصميم والمنهجية، وأن أي ارتباط مبدئي ظهر في تلك البحوث يمكن تفسيره بعوامل أخرى أبرزها الجينات، الظروف الصحية للأم، والعوامل البيئية المحيطة، وليس بالضرورة استخدام الباراسيتامول بحد ذاته.
ولفت الباحثون إلى أن إحدى المراجعات التي درست حالة أكثر من مليوني طفل في السويد، وجدت ارتفاعاً طفيفاً في معدلات التوحد واضطراب فرط الحركة لدى الأطفال الذين تناولت أمهاتهم الباراسيتامول، لكن المقارنة الدقيقة داخل مجموعات الأشقاء أظهرت أن الفروق مرتبطة بالوراثة وظروف الحمل وليس بالدواء.
وفي تعليقها على النتائج، قالت البروفيسورة شاكيلا ثانجاراتينام، استشارية التوليد بجامعة ليفربول ورئيسة الفريق البحثي، إن “البيانات الحالية لا تدعم وجود صلة حقيقية بين الباراسيتامول وهذه الاضطرابات”، مؤكدة أن ارتفاع حرارة الأم أثناء الحمل يشكّل خطراً يفوق بكثير المخاوف المطروحة حول الدواء.
وتابعت: “إذا وُجد تاريخ عائلي للتوحد أو فرط الحركة فهو الأرجح أن يكون العامل المؤثر، وليس تناول المسكنات”.
كما شدد خبراء آخرون على أن البدائل المقترحة مثل الأدوية غير الستيرويدية المضادة للالتهابات قد تسبب مضاعفات خطيرة للجنين، مثل الإغلاق المبكر للقناة الشريانية، وهو ما يجعل الباراسيتامول الخيار الأكثر أماناً عند الحاجة.
وأكد البروفيسور ديميتريوس سياساكوس أن الدواء استخدم لعقود طوال من قبل ملايين النساء حول العالم دون ظهور أدلة قاطعة تربطه باضطرابات النمو، داعياً إلى طمأنة الأمهات اللواتي يشعرن بالقلق والذنب بسبب استخدامه أثناء الحمل.
وتأتي هذه النتائج في وقت يشهد فيه المجال الطبي نقاشات متزايدة حول أسباب ارتفاع نسب التشخيص بالتوحد وفرط الحركة، إذ تميل كثير من الدراسات الحديثة إلى اعتبار الوراثة والبيئة العاملَيّن الأكثر تأثيراً، بينما تتراجع فرضية تأثير الأدوية الشائعة أمام غياب الأدلة القاطعة.










