
إيقاف وكيل وزارة الخارجية.. هل كشف قرار الطرد أزمة أعمق داخل مؤسسات الدولة؟
بقلم: سوسن محجوب – النورس نيوز
لم يكن قرار إيقاف وكيل وزارة الخارجية السفير حسين الأمين مجرد إجراء إداري عابر كما بدا في ظاهره، بل مثّل شرارة جدلٍ واسع داخل الأوساط السياسية والدبلوماسية في السودان، خاصة بعد أن تبيّن أن الإيقاف جاء على خلفية طرد مسؤولين بارزين في برنامج الغذاء العالمي دون علم رئيس مجلس الوزراء.
القصة بدأت عندما أقدمت وزارة الخارجية، الثلاثاء الماضي، على استدعاء مدير مكتب برنامج الغذاء العالمي في السودان لوران بوكيرا ومديرة قسم العمليات سمانثا كاتراج، وأبلغتهما بأنهما شخصان “غير مرغوب فيهما”، ومنحتهما مهلة 72 ساعة لمغادرة البلاد.
قرار بدا في حينه حازماً ويحمل رسائل سيادية واضحة، إذ أكدت الوزارة أن الخطوة تأتي في إطار تطبيق القوانين الدولية واحترام السيادة الوطنية، مشيرة إلى أن الإجراء لا يعني وقف التعاون مع البرنامج الأممي.
لكن ما لبثت الأمور أن أخذت منحى آخر حين تسربت معلومات عن أن القرار لم يُعرض على رئيس الوزراء قبل صدوره، ما اعتُبر تجاوزاً للمسار المؤسسي المتّبع في مثل هذه القرارات الحساسة، وهو ما دفع السلطات المختصة إلى إصدار توجيه بإيقاف وكيل الوزارة عن العمل مؤقتاً إلى حين التحقيق في الملابسات.
هذا التطور فتح الباب أمام تساؤلات عديدة:
هل كانت الخطوة رسالة احتجاج رسمية ضد أداء برنامج الغذاء العالمي في السودان؟
أم أنها كانت قراراً منفرداً يعكس ارتباكاً داخل مؤسسات الدولة في التعاطي مع المنظمات الدولية؟
من الواضح أن القرار جاء في وقتٍ بالغ الدقة، إذ يعيش السودان واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخه الحديث، حيث يواجه أكثر من 20 مليون مواطن خطر انعدام الأمن الغذائي، فيما أعلنت الأمم المتحدة عجزها عن توفير التمويل المطلوب لتغطية احتياجات النازحين والمتأثرين بالحرب التي اندلعت في أبريل 2023.
ويرى مراقبون أن الخطوة ـ رغم طابعها السيادي ـ قد تعمّق من الفجوة بين الحكومة السودانية والمنظمات الأممية، خصوصاً أن برنامج الغذاء العالمي يعد من أكبر شركاء السودان في المجال الإنساني، وأن طرد مسؤولين كبار فيه قد يُفسّر دولياً كإشارة على توتر العلاقة أو تضييق بيئة العمل الإنساني في البلاد.
في المقابل، يرى آخرون أن قرار الخارجية ـ وإن بدا قاسياً ـ يعكس نفاد صبر السلطات السودانية تجاه ما تعتبره تجاوزات من بعض المنظمات في طريقة تنفيذ عملياتها أو تعاملها مع الحكومة المركزية، معتبرين أن السيادة الوطنية لا ينبغي أن تكون محل مساومة حتى في ظل الأزمات.
اللافت في الأمر أن وزارة الخارجية اكتفت ببيان مقتضب أكدت فيه أن القرار “لن يؤثر على استمرار التعاون مع برنامج الغذاء العالمي”، لكنها لم تشرح خلفيات الإبعاد أو الاتهامات الموجهة للمسؤولين المطرودين، مما ترك الباب مفتوحاً أمام التأويلات والتكهنات.
ويبقى السؤال الأبرز الآن: هل كان قرار وكيل الخارجية تصرفاً منفرداً سياسياً يستوجب المحاسبة، أم كان يعبر عن موقف مؤسسي لم يُرضِ أطرافاً داخل الحكومة؟
الإجابات لا تزال طي الكتمان، لكن المؤكد أن ما حدث كشف عن توترات خفية داخل مفاصل الدولة في لحظة حرجة يحتاج فيها السودان إلى تماسك مؤسساته أكثر من أي وقت مضى.
وفي انتظار نتائج التحقيق، يظل المشهد غامضاً ومفتوحاً على كل الاحتمالات، فيما تترقب الأوساط الدبلوماسية كيف سيتعامل مجلس الوزراء مع هذا الملف الحساس الذي يتقاطع فيه السياسي والإنساني والدبلوماسي في آنٍ واحد.











