
قطر والإمارات.. تحالف غير معلن لإضعاف الجيش السوداني؟
النص:
النورس نيوز – تحليل سياسي –
بقلم: بعانخي عبداللطيف
تصريحات وزير الخارجية القطري السابق الأخيرة لم تكن عابرة. حين يخرج مسؤول بهذا الوزن ليهاجم الجيش السوداني ويحمّله مسؤولية الحرب، فالأمر يتجاوز الانفعال السياسي إلى ما هو أعمق: رسائل محسوبة، ومواقف تتقاطع فيها المصالح رغم التناقضات.
من يعرف تاريخ الدبلوماسية القطرية يدرك أنها لا تتحدث صدفة. فما قيل عن “تخلف الجيش” و”غياب الديمقراطية” ليس مجرد رأي، بل خطاب مُوجّه بعناية، يخدم مشروعًا سياسياً قديماً تحاول الدوحة إحياؤه من رماده: مشروع الإسلاميين في السودان.
فالدوحة، التي لم تعرف صندوق اقتراع واحد في تاريخها، تحاول أن تُلبس حلفاءها الإسلاميين عباءة “المدنيين”، وتقدّمهم للعالم كضحايا الانقلابات، بينما هم في الواقع يسعون للعودة إلى الحكم عبر البوابة القطرية نفسها التي كانت داعمتهم الأولى زمن البشير.
قطر.. دفاع عن الإسلاميين تحت شعار الديمقراطية
الدوحة تتحدث عن الديمقراطية، لكنها في الحقيقة تدافع عن التنظيمات التي لفظها الشارع السوداني بثورة ديسمبر. هي لا تريد جيشًا وطنيًا مستقلاً، بل مؤسسة قابلة للتطويع ضمن محور الإسلام السياسي العابر للحدود.
لهذا جاء الهجوم على الجيش، المؤسسة التي أسقطت نظامهم ورفضت عودتهم إلى السلطة، بمثابة محاولة سياسية لتبييض صفحة الماضي وإعادة تدوير مشروع فشل داخل السودان.
لكن الأخطر من ذلك أن تصريحات الوزير القطري بدت وكأنها دعوة لإعادة الاصطفاف حول التيار الإسلامي، في وقت يحاول فيه السودانيون عبور مرحلة الحرب نحو دولة مدنية حقيقية. فكيف لدولة لم تعرف يوماً انتخابات أن تقدم دروساً في الديمقراطية؟
التقاء الخصوم.. حين تلتقي قطر والإمارات على هدف واحد
قد يبدو المشهد غريباً للوهلة الأولى: قطر والإمارات، خصمان منذ أزمة الخليج، لكنهما اليوم تتقاطعان في موقف واحد تجاه السودان. والسر بسيط: المصلحة فوق الخلافات.
الإمارات تبحث عن نفوذ اقتصادي في الموانئ والذهب، وتموّل مليشيا الدعم السريع بالسلاح والمال لتحقيق مكاسب استراتيجية على الأرض. أما قطر، فتخوض حربها الناعمة عبر الإعلام والسياسة، مستخدمة خطاب “الديمقراطية” كسلاح لتشويه الجيش.
الأولى تضرب ميدانيًا، والثانية معنويًا، لكن الهدف واحد: إضعاف الجيش السوداني، آخر مؤسسة وطنية متماسكة تقف في وجه التفكك الكامل للدولة.
الجيش السوداني.. عقل الدولة لا المحور
ما يقلق الدوحة وأبوظبي معاً أن الجيش السوداني لم يعد جيشاً حزبياً أو أيديولوجياً. فقد خرج من عباءة النظام السابق، وبدأ يتصرف بعقل دولة لا بعقل تنظيم.
هذا التحول نحو القومية جعل منه خصمًا مشتركًا لكل المحاور الإقليمية. فالإمارات تخشى جيشًا يرفض وصايتها الاقتصادية، وقطر تخاف مؤسسة عسكرية أغلقت الباب نهائياً أمام عودة الإسلاميين.
الجيش اليوم، رغم التحديات، بات يمثل إرادة وطنية تتشكل داخل الميدان، لا داخل الغرف المغلقة. وهذه الحقيقة تزعج كثيرين في الخارج، ممن اعتادوا أن يرسموا مستقبل السودان من عواصمهم المكيّفة.
ما وراء التصريحات
حين يهاجم الوزير القطري الجيش علنًا، فذلك ليس تعبيرًا عن رأي شخصي، بل رسالة مزدوجة. الأولى موجهة للإسلاميين تقول: “نحن ما زلنا معكم”. والثانية للعواصم الغربية: “نحن ندعم التحول الديمقراطي في السودان”.
لكن هذه الازدواجية تكشف تناقضًا صارخًا؛ فالدولة التي لا تجرؤ على تنظيم انتخابات في الداخل تتحدث عن الديمقراطية في الخارج، وتستخدمها غطاءً لأهداف سياسية بحتة.
النهاية.. السودان ليس ساحة للمصالح الخليجية
قد تختلف الدوحة وأبوظبي في الأسلوب، لكنهما تلتقيان على هدف مشترك: سودان ضعيف يمكن التحكم فيه. الأولى تزرع الفوضى السياسية، والثانية تموّل الفوضى العسكرية.
إلا أن ما يغيب عن حساباتهما هو أن الجيش السوداني، رغم كل الضغوط، لم يعد ورقة في يد أحد. فقد فرض واقعه الجديد كقوة وطنية مستقلة تفكر بعقل الدولة وتحمي ما تبقى منها.
وعليه، فإن تصريحات الوزير القطري ليست إلا حلقة في سلسلة طويلة من محاولات التدخل في الشأن السوداني، لكنها تكشف أيضاً عن قلق متزايد من بروز جيش وطني قادر على كسر لعبة المحاور.
السودان اليوم بحاجة إلى وعي شعبي يدرك أن معركته الحقيقية ليست بين “عقار” و”دقلو”، ولا بين “إسلامي” و“مدني”، بل بين مشروع وطني يحمي الدولة، ومشروعات خارجية تسعى لتفكيكها.
فالجيش السوداني، بصفته المؤسسة الوحيدة التي ما زالت تقاتل بعقل دولة، أصبح هدفاً مشتركاً لكل من يخاف من نهضة السودان المستقل.









