التبشير بعد التدمير: دارفور بين السلاح والعقيدة
بقلم/ لام دينق نوت شول
النورس نيوز _ منذ فجر التاريخ، ارتبطت كبوات الأمم بانحرافها عن جادة الحق، فكان العقاب الإلهي يأتي عبر أدوات بشرية تذكّرها بمسؤولياتها. تُحكى قصة ابنة جنكيز خان التي تجبرت في بغداد وسألت أحد الصالحين: “أليس انتصارنا عليكم دليلاً على فضلنا عند الله؟” فأجابها: “بل أنتم كلاب الله التي يرسلها علينا ليعيدنا إلى الطريق بعد أن ضللنا عنه.” مشهد تاريخي يفسر الكثير مما نعيشه اليوم.
دارفور، التي كانت يومًا أرضًا للعلم والخيرات، وموئلاً للقرآن والعلماء، ابتُليت اليوم بجراح الحروب والحصار. هذه الأرض التي كانت تكسو الكعبة بخيراتها، صارت تواجه الجوع والجفاف ونيران الميليشيات. ومع ذلك، ما زالت مساجد الفاشر عامرة بالمصلين، وما زال صوت الدعاء يرتفع رغم الحصار والرصاص، دلالة على أن الروح لم تنكسر وإن أُنهك الجسد.
لكن ما يجري لم يقف عند حدود السلاح. فالمشهد يتجاوز المعارك الميدانية إلى معارك من نوع آخر. ففي جوبا، تم تدشين نسخة من الكتاب المقدس مترجمة إلى لغة الفور، برعاية أطراف دولية يُعرف عنها دعمها للميليشيات بالسلاح والذخائر. المعادلة هنا واضحة: رصاص لقتل الجسد، وتبشير لزعزعة العقيدة. إنها حرب مزدوجة تستهدف الأرض والروح معًا.
التاريخ يذكّرنا بأن الخلط بين الدين والعرق خطأ جسيم. فليس كل عربي مسلمًا، وليس كل مسلم عربيًا. لقد كان الغساسنة في الشام نصارى رغم عروبتهم، وانتشر الإسلام بين أقوام غير عربية دون أن يمسخ هويتهم. هذا التنوع هو ما يجعل استهداف دارفور دينيًا وثقافيًا أمرًا بالغ الخطورة؛ إذ يسعى إلى إعادة تشكيل الهوية وقطع الناس عن جذورهم.
لقد حذّر القرآن الكريم من الفتن التي تجعل البعض يتراجعون عن إيمانهم عند أول اختبار، فقال تعالى:
“ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين” (العنكبوت: 10).
ما يحدث اليوم في دارفور ليس صدفة، بل جزء من استراتيجية قديمة جديدة: التبشير بعد التدمير. حيث يسعى البعض إلى استغلال هشاشة الأوضاع، بعد أن مزقت الحرب النسيج الاجتماعي، ليزرعوا بذور تغيير عقائدي وثقافي.
ومع ذلك، فإن المحن تصنع التمحيص. فمن يثبت على دينه وإيمانه يخرج أصلب عودًا وأقوى يقينًا، أما من يسقط في الفتنة فيتحمل وزره. هذه ليست مجرد حرب عسكرية، بل امتحان روحي ووجودي لأهل دارفور وللسودان بأسره.
النداء الأخير
إن حصار الفاشر ليس حصارًا لمدينة بعينها، بل هو طوق يلتف حول رقبة الأمة كلها. كسر هذا الحصار واجب يتجاوز الانتماء القبلي أو الجغرافي، لأنه دفاع عن الهوية والدين والكرامة.
يا أهل السودان، تذكّروا أن نصرة الفاشر اليوم هي نصرة لأنفسكم قبل غيركم.
قوموا لفك الحصار، يرحمني ويرحمكم الله.










