
السعودية والبحر الأحمر: المهندس الصامت لتحولات السودان ومصر وروسيا
بقلم: مكاوي الملك
في الأشهر الماضية، رصد متابعون تحركات دقيقة في العلاقات الإقليمية، تشير إلى إعادة تشكيل مثلث سعودي–سوداني–روسي، بشكل متدرج وصامت، بعيداً عن الأضواء الإعلامية المباشرة. التحركات التي كانت مجرد توقعات قبل عدة أشهر، بدأت تتضح اليوم على أرض الواقع، حيث تظهر السعودية كـ”العقل الهادئ” الذي يعيد هندسة التوازنات الكبرى في البحر الأحمر، ويستثمر النفوذ الروسي بطريقة استراتيجية لتحقيق أهداف متعددة.
السعودية.. من دولة متلقية للضغوط إلى لاعب إقليمي فاعل
تُظهر الأحداث أن الرياض لم تعد مجرد دولة تتلقى الضغوط الخارجية، بل أصبحت قادرة على إدارة الملفات الحساسة في المنطقة، بما في ذلك الملف الروسي. السعودية، وفق التحليلات، تستخدم روسيا كورقة قوة لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسية:
- الضغط على واشنطن وإعادة ضبط العلاقات:
من خلال توقيع صفقات ضخمة مع الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه فتح المجال أمام التنسيق مع روسيا في مجالات اقتصادية وتقنية وحتى عسكرية محدودة، ترسل السعودية رسالة واضحة: “لدينا خيارات متعددة ولا نتبع أي جهة بشكل مطلق”. - احتواء النفوذ الروسي في السودان:
السعودية تدرك أن السودان سيستغل روسيا كورقة سياسية، وتعرف أن موسكو تسعى للسيطرة على مواقع استراتيجية في البحر الأحمر. الحل السعودي يكمن في التنسيق الثلاثي بين الرياض، القاهرة، والخرطوم لضمان أن يظل النفوذ الروسي تحت السيطرة، بعيداً عن أي تهديد مباشر للمصالح السعودية. - حماية البحر الأحمر كخط أحمر استراتيجي:
تعتبر السعودية البحر الأحمر أكثر أهمية من النفط، لذا تعمل على الحد من نفوذ الإمارات، إيران والحوثيين، والوجود الأميركي المنفرد، مع إعادة ترتيب الشراكات الإقليمية لضمان الأمن الملاحي والمصالح الاستراتيجية.
التنسيق السعودي–السوداني–المصري
المشهد الحالي يشير إلى تنسيق واضح بين السعودية ومصر والسودان، حيث أصبحت روسيا تدخل على الخط ضمن إشراف سعودي مباشر. هذا النهج يسمح بعدة نتائج استراتيجية:
- الحفاظ على السودان كدولة مستقلة قوية، يمكنها الدفاع عن سيادتها.
- دعم الجيش السوداني بشكل صامت دون ضجيج سياسي.
- عزل الإمارات ومنعها من استخدام النفوذ الروسي لتقسيم السودان.
- تعزيز موقع السودان الإقليمي وجعله لاعباً جيوستراتيجياً في البحر الأحمر.
الأدلة على الدور السعودي
عدة أحداث تؤكد الدور السعودي الحاسم:
- زيارة محمد بن سلمان لواشنطن وطلبه تدخل الإدارة الأميركية لتسهيل صفقات كبرى، ما أعاد ترتيب الملفات السودانية–الروسية–المصرية وقدم دعمًا ضمنيًا للجيش السوداني.
- تحركات روسية–سودانية–مصرية متزامنة مع توقيت الزيارات السعودية، تشير إلى ضوء أخضر سعودي للتحركات الروسية في المنطقة.
- تقارير إعلامية دولية أكدت أن التحركات الروسية لا تتم دون مراعاة المصالح السعودية، وأن الإمارات فقدت دورها الفعلي في البحر الأحمر.
تداعيات التحولات على السودان
بالنسبة للسودان، تعني هذه التحولات:
- عودة الخرطوم إلى دائرة اللاعبين الإقليميين المؤثرين.
- دعم الجيش السوداني لاستعادة الاستقرار الداخلي، ومواجهة تهديدات المليشيات.
- تعزيز قدرة السودان على إدارة البحر الأحمر كأداة ضغط جيوستراتيجي.
- تحييد النفوذ الإماراتي، واستفادة السودان من التوازنات بين القوى الكبرى.
الخلاصة
يمكن القول إن السعودية اليوم هي المهندس الصامت لتوازن القوى في البحر الأحمر بين روسيا وأميركا، وأن السودان يستخدم هذا التوازن لصالحه لأول مرة. مصر تدخل ضمن التحالف لتعزيز صفقاتها الدفاعية والغربية، فيما انتهى دور الإمارات عملياً في المنطقة. كل هذه التحركات تصب في اتجاه واحد: إعادة صياغة الإقليم تحت قيادة ثلاثية استراتيجية: السعودية–السودان–مصر، مع تقليص النفوذ الإماراتي وتحقيق توازن إقليمي جديد.











