أسامه عبد الماجد يكتب:
“سُكات” مدير المخابرات
0 يشهد السودان واحدة من أعقد المراحل في تاريخه الحديث، حيث تحاصر التهديدات أمنه القومي في الداخل والخارج.. وتتسارع الأحداث بوتيرة غير مسبوقة. وفي مثل هذه اللحظات الحساسة.. يصبح الدور العلني لجهاز المخابرات – بوصفه “رمانة الميزان” في الدولة – أكثر أهمية من أي وقت مضى.. غير أن ما يثير الانتباه ويبعث على القلق هو الصمت اللافت لمدير الجهاز أحمد مفضل.. رغم كثافة الأحداث وخطورتها، ورغم أن الأجهزة النظيرة في المنطقة باتت أكثر حضوراً وحيوية في المشهد العام.
0 موخرا أصبحت تحركات مديري المخابرات في دول عديدة علنية إلى حد غير معتاد.. فمدير المخابرات التركية إبراهيم قالن قبل نحو شهرين زار قطر.. وتم الاعلان في وكالة اخبارية رسمية ان الزيارة لاجراء مباحثات بخصوص التطورات المتعلقة بالخطة التي اقترحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن غزة.. وقبل شهر زار نظيره المصري حسن رشاد اسرائيل لذات الغرض.. وحتى مدير الموساد زار الدوحة قبل أشهر لتحريك ملف وقف إطلاق النار في غزة، جميعهم ظهروا في واجهات دبلوماسية أمنية واضحة.
0 هذه التحركات تؤكد أن زمن السرية المطلقة في العمل الاستخباري قد تغير.. إذ بات الظهور العلني جزءاً من أدوات التأثير وإرسال الرسائل الاستراتيجية.. امس شارك مفضل في مؤتمر استضافته صربيا بحضور قادة أجهزة الأمن والمخابرات الأفريقية.. كان ذلك – دون شك – فرصة ثمينة لإرسال رسائل للداخل والخارج حول موقف السودان.. رؤيته، وحدود قدرته على حماية أمنه القومي.. وموقفه من دول الجوار وتصنيف عصابة اولاد دقلو كجماعة ارهابية.. وتاثير تحركها الوحشي والدموي على امن المنطقة.
0 لكن هذه المشاركة مرت بلا تصريح علني وهذا ما اعنيه، ولا مؤشرات على ما طرحه مفضل.. أو ما خرج به من مواقف، لكن قد يصرح اليوم ومع ذلك يبقى السؤال قائماً لماذا يصر رئيس جهاز المخابرات في ظرف استثنائي كهذا على الاكتفاء بالصمت؟.. تعيين نائب ثان لمدير الجهاز إلى جانب الفريق اللبيب كان يفترض أن يمنح مفضل مساحة أوسع للحركة.. ويزيد من حضوره في الملفات الداخلية والخارجية.. لكن ما جرى هو العكس تماماً إذ بات الغياب أكثر وضوحاً، والشارع أكثر تساؤلاً.
0 ظهور مفضل في بعض الاوقات مهم ومطلوب بشدة مثل مايثار حول الرباعية.. أحياناً يكون للظهور في لحظات محددة أهمية خاصة.. تماماً كما يحتاج فريق كرة القدم إلى نجم هداف يقلب موازين المباراة في وقت حرج.. وفي هذا السياق نضطر لابراز المقارنات. فحين صدر قرار المحكمة الجنائية بحق المشير البشير.. ساد همس حول صمت مدير جهاز الأمن آنذاك، صلاح قوش. لكنه لم يترك الأمر يمر دون أن يصنع حدثاً يعيد به وضع الحصان امام العربة.
0 نظم مستشار الرئيس الجنوبي الحالي للشؤون الأمنية، توت قلواك، (المقربين جداً لقوش).. احتفال في النادي الدبلوماسي بالخرطوم باسم أبناء الجنوب، بمناسبة ترقية قوش إلى رتبة فريق أول.. وفي كلمته خلال الحفل حقق قوش ما أراده، إذ أطلق تصريحات أشبه بالرصاص.. موجهاً تحذيرات شديدة إلى من يؤيدون الجنائية. ولم يكتفِ بذلك.. بل ذهب إلى حد التهديد بقطع يد ورأس وتمزيق أوصال كل من يسعى لتنفيذ مخططاتها.. مؤكداً أن الأمر بالنسبة لهم قضية لا تقبل المساومة.
0 ليس من شكوك حول مفضل ولا مواقف سالبة تجاهه.. وليس مطلوباً أن يكرر خطاب قوش او يصبح نسخة منه ولا مطلوباً استحضار النبرة الحادة التي ظهر بها الفريق محمد عطا في بعض المناسبات.. لكن كان واضحاً أن جهاز المخابرات في تلك الفترات كان يمتلك صوتاً وتأثيراً معلنين – سواء اتفق الناس أو اختلفوا مع ذلك الصوت..
0 اليوم وفي ظل حالة التوهان الرسمي والتخبط السياسي.. يتاكد لنا أن الغياب التام أخطر من الحضور ولو كان خاطئاً.. ان تكلفة الصمت باهظة.. واستمرار صمت مدير المخابرات قد يحمل كلفة عالية.. على مستوى الثقة العامة في مؤسسات الدولة،
وعلى مستوى الردع والهيبة.. وعلى مستوى رسائل الطمأنة التي تحتاجها القوات على الأرض، ويحتاجها الشارع، وحتى الشركاء الإقليميون.. واخشى ان يكون سبب ذلك مارشح قبل فتره عن مغادرته منصبه.
0 ان الصمت في ظروف عادية قد يكون حكمة.. أما الصمت في زمن الانهيارات والشائعات وتضارب المواقف الرسمية فهو امر لا تحتمله البلاد في ظل الحرب.. لم اقصد من هذا الحديث دعوة مفضل للتهور الإعلامي، ولا لتحويل العمل الاستخباري إلى عرض سياسي.. بل دعوة إلى حضور محسوب، مدروس، وضروري لرأس جهاز يفترض أن يكون الأكثر حيوية في الدولة.. و نحسبه كذلك، ففي لحظة تاريخية مثل هذه، يصبح الكلام – ولو بقدر محدود – جزءاً من أدوات حماية الأمن القومي، وليس خرقاً له.
0 ومهما يكن من أمر.. لاتزال الفرصة امام مفضل للتحرك قبل ان تأتي لحظة وتضيق المساحات.
الأربعاء 3 ديسمبر 2025
osaamaaa440@gmail.com











