مقالات

أسامه عبد الماجد يكتب: مجموعة التفكير لدى الرئيس

أسامه عبد الماجد يكتب:

مجموعة التفكير لدى الرئيس

 

0 مهما يكن مصدر فكرة استبدال علم السودان وإعادة صياغة الدولة.. سواء كانت توجيهاً من المحيطين بالرئيس البرهان أو مجرد خاطر طارئ في ذهنه.. فإنها لا تعدو كونها محاولة إلهاء بعيدة تماماً عن الواقع وعن بابنوسة.. هذه المقترحات تكشف عن أزمة عميقة في طاقم مكتب الرئيس، وهو الأمر الذي سبق أن نبهنا إليه.. وبهذة المناسبة نقول للاقلام التي انبرت لمهاجمتنا ان حديثكم من ظن أننا نستهدف مدير مكتبه ليس سوى لغو فارغ لا يعنينا.

0 وبما أن الأفكار المرهقة ما تزال تتتابع من الرئيس نفسه.. مبددة التركيز عن القضايا الكبرى، فقد آن الأوان لإنشاء فريق خاص تحت اسم “مجموعة التفكير لدى الرئيس”، على غرار المجموعات المتعددة التي تحيط بملك المغرب.. تلك المجموعات ليست ديكوراً سياسياً، بل مؤسسات بحثية تتابع التنمية الاقتصادية والأمنية والطاقة، وتقيم أثر السياسات داخلياً وخارجياً.. وتنتج تقارير استراتيجية عن مشاريع عملاقة مثل ميناء طنجة المتوسط والطاقة المتجددة، كما تدرس الإرهاب والاستقرار والأمن والبيئة الاستثمارية.. وتقارن المغرب بدول ومناطق أخرى، وتبرز موقعه كمركز لوجستي إقليمي.. “يجي واحد ناطي” يقترح في لحظة غضب من امريكا قاعدة روسية عسكرية في البحر الأحمر”.

0 نحن في السودان نحتاج إلى مجموعة تفكير بهذا العمق، تعيد صياغة واقع ولاية الخرطوم.. وقد سبق أن اقترحنا تفريغ قلب الخرطوم من المؤسسات، ونقل جزء من القيادة العامة إلى الجيلي، ونقل مؤسسات اليها.. وإلزام الوزارات بمقراتها الجديدة وفق المخطط الهيكلي الذي استثنى بشارع النيل القصر الجمهوري لرمزيته، ووزارة المالية لكون مبناها أثرياً.

0 كما نحتاج إلى مجموعة تعيد ترتيب علاقاتنا مع دول الجوار.. وتقييم خريطة سفاراتنا أين يجب أن نتمدد؟.. وأين ينبغي تقليص التمثيل؟ وما الدول التي تستحق أن نضع فيها ثقلنا الدبلوماسي؟ واقترح البدء بالسعودية المنطلقة بقوة.. ولعل المثال الأبرز التوصية الجريئة من السفير محمد المرتضى سراج، الذي افتتح سفارة السودان في فيتنام، وكان اول سفير.. ثم أوصى لاحقاً بإغلاقها لضعف الجدوى، واقترح فتح سفارة في بنغلاديش “مملكة صناعة الخيش”.

0 نحتاج كذلك إلى دراسة التحولات السكانية التي شهدتها البلاد خلال وجود الجنجويدي حميدتي في القصر.. كما نحتاج إلى الاستفادة من تجربة صانع النهضة الماليزية مهاتير محمد في القضاء على التعطيل والبيروقراطية في الدوائر الحكومية.. تلك التي تفتح أبواب الفساد والمحسوبية عبر عبارة “تعال بكرة”.. وكذلك تجربة لي كوان يو، الأب المؤسس لسنغافورة، الذي حول جزيرة فقيرة غارقة في المستنقعات ومليئة بالباعوض إلى مركز مالي عالمي، استثماري ملئ بناطحات السحب.. وتعد من بين أقل حكومات العالم فسادا.

0 نهضت سنغافورة تحت قيادة لي كوان  بفضل استراتيجية متعددة الأوجه شملت مكافحة الفساد، والتركيز على التنمية الاقتصادية من خلال جذب الاستثمار الأجنبي، وتطوير رأس المال البشري من خلال نظام تعليمي قوي. الاعتماد على العقلانية الاقتصادية لتحقيق الإصلاحات اللازمة، بدلاً من الاهتمام بالحلول السياسية.

0 حارب الفساد بشكل مذهل حيث أعاد تشكيل هيئة مكافحة الفساد وعزز صلاحياتها.. يسمح القانون بمصادرة ممتلكات المسؤولين الفاسدين أو الذين يعيشون بما يتجاوز رواتبهم.. قد يبدو غريبا ان كوان ركز حتى على السلوك حيث أطلق حملات لتغيير سلوكيات المواطنين، مثل حملات التأدب والنظافة الشخصية، لتعزيز الانسجام الاجتماعي.. ونحن نكتفي بالكتابة على الجدران وبخط قبيح (ممنوع البول هنا ياحمار).. وما اكثر الحمير.

قد يحتج البعض بتنوع السودان القبلي واللغوي، غير أن ماليزيا وسنغافورة ليستا أقل تنوعاً.. فهما خليط من الملايو والصينيين والهنود بديانات وثقافات متعددة. وقد زرت الأولي وبالتالي لا عذر أمامنا.

0 نحتاج فقط إلى عقل استراتيجي يقنع الولاة بالتركيز على الميزة التنافسية لكل ولاية.. وأذكر أن وزير مالية سنار الأسبق د. إبراهيم سليمان قال لنا ذات مرة في زيارتنا لسنار إن الولاية يمكن أن تحقق أكثر من ملياري دولار من تصدير الموز وحده.. ان الأفكار كثيرة، والسودان أرض الفرص، لكنه يحتاج إلى قيادات راشدة تتحمل المسؤولية، لا إلى شخصيات تحيط بها مجموعات من الانتهازيين وحارقي البخور والمطبلين. المؤلم حقاً أن الحرب لم تغيّر فينا شيئاً.. فما زلنا غارقين في الحفر والمؤامرات والدسائس.

0 حالنا اليوم يذكرني بما رواه وزير خارجية ليبيا الأسبق عبد الرحمن شلقم في كتابه “شخصيات حول القذافي”.. حيث خطرت للقذافي ذات يوم فكرة عابرة أثناء توسطه مجلسه، فنظر إلى أحدهم واسمه عمر وقال له: “تروح سفير في السودان لأن اسمك مثل اسم الرئيس عمر البشير وح يحبك”.

0 ومهما يكن من امر.. هذه الفكرة البائسة الفجائية تشبه كثيراً ما يطرأ في السياسة السودانية اليوم.

 

الثلاثاء 2 ديسمبر 2025

osaamaaa440@gmail.com

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى