أخبار

تحقيق: تمويل أمريكي خفي لعمليات رقابة إلكترونية لدعم حكومة ما بعد البشير في السودان

النورس نيوز

تحقيق: تمويل أمريكي خفي لعمليات رقابة إلكترونية لدعم حكومة ما بعد البشير في السودان

النورس نيوز _ كشف تحقيق استقصائي جديد عن تورّط الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) في تمويل عمليات رقابة إعلامية رقمية داخل السودان، في أعقاب الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير عام 2019، وذلك بهدف دعم الحكومة الانتقالية التي تشكّلت حينها تحت غطاء دعم دولي وغربي واسع النطاق.

ووفقًا لما ورد في التحقيق الذي أعدّه الصحفي البريطاني كيت كلارينبرغ ونشرته مدونة “المخالفون العالميون”، فقد استعانت الوكالة الأمريكية بشركة بريطانية تُعرف باسم “فالنت بروجكتس” (Valent Projects)، وهي شركة تعمل تحت شعار “مكافحة المعلومات المضللة”، لكنها بحسب الوثائق المسرّبة، كانت تنفّذ عمليات تتجاوز ذلك بكثير، شملت مراقبة المحتوى الرقمي السوداني، وتحليل أنشطة المستخدمين، وتحديد واستهداف الأصوات السياسية المعارضة على مواقع التواصل الاجتماعي.

وبحسب التسريبات، فإن مكتب خدمات الانتقال التابع لـ USAID، المعروف اختصارًا بـ OTI، قام بمنح الشركة البريطانية مبلغًا يزيد عن مليون دولار أمريكي لتنفيذ برنامج وصف بأنه “دعم اتصالي ومكافحة للمعلومات المضللة” داخل السودان، إلا أن التحقيق يشير إلى أن هذه الأموال لم تُسجّل ضمن السجلات المالية الرسمية الخاصة بشركة فالنت، مما يفتح الباب أمام تساؤلات تتعلق بالشفافية والتمويل غير المعلن.

وقد تركزت أنشطة OTI في التعاون الوثيق مع وزارات داخل الحكومة الانتقالية التي تولّت السلطة بعد أربعة أشهر فقط من إسقاط نظام البشير. وتضمنت الأنشطة إنشاء وإدارة مكاتب إعلامية رسمية موزعة في عدة ولايات سودانية، مهمتها الأساسية الترويج لرسائل الحكومة ومهاجمة محتوى المعارضة الرقمية، وذلك ضمن ما وُصف بأنه “مواجهة للسرديات المعادية” لحكومة ما بعد الثورة.

وفي يونيو من عام 2021، كشفت شركة Meta المالكة لفيسبوك عن حذفها شبكة واسعة من الحسابات والصفحات على منصاتها في السودان، بعد بلاغات وتوصيات قدّمتها شركة فالنت. وشملت الحملة إزالة 53 حسابًا شخصيًا و51 صفحة و3 مجموعات إلى جانب 18 حسابًا على إنستغرام، جميعها مرتبطة بنشاط سياسي محلي. وفي أكتوبر من نفس العام، أدلى الرئيس التنفيذي لشركة فالنت، أميل خان، بتصريحات لوكالة رويترز أكد فيها أن الشبكة السودانية التي تم تحديدها كانت “أكبر بثلاث مرات” من تلك التي قامت Meta فعليًا بحذفها، وأشار إلى أن تلك الحسابات كانت تضم أكثر من 6 ملايين متابع في مجموعها.

من جهتهم، نفى مسؤولون عن عدد من الصفحات التي استُهدفت في تلك الحملة هذه الاتهامات جملة وتفصيلاً، مؤكدين أن نشاطهم لم يتجاوز النقد المشروع لأداء الحكومة الانتقالية، التي وصفوها بأنها قمعية وفاشلة في إدارة الاقتصاد والسياسة، مؤكدين أن تصنيف مواقفهم على أنها “تضليل” هو في حقيقته محاولة منظمة لإسكات الأصوات الرافضة والمستقلة.

وأشار التحقيق أيضًا إلى أن شركة فالنت تعمل ضمن مشاريع مشابهة في دول أخرى مثل سوريا وأوكرانيا، وتنفذ مهام موكلة من قبل جهات أمنية واستخباراتية غربية، مما يدفع المراقبين إلى تصنيفها كـ”ذراع تنفيذية إعلامية غير رسمية” تستخدمها الحكومات الغربية للتأثير على الرأي العام في مناطق النزاع، تحت ستار مكافحة الأخبار الكاذبة.

وفي ظل هذه المعطيات، يطرح التحقيق أسئلة مصيرية حول استقلال القرار الوطني في السودان خلال المرحلة الانتقالية، ومدى حياد الوسائل الإعلامية التي يُفترض أنها تخدم التحول الديمقراطي، بينما يجري استخدامها لتصفية الحسابات السياسية وتقويض التعددية. كما يُثير تساؤلات عميقة حول دور وسائل التواصل الاجتماعي: هل أصبحت أداة لحماية المجتمعات، أم سلاحًا لتوجيهها وفق أجندات خارجية؟ وهل يمكن الوثوق في الجهات التي تموّل الحكومات الانتقالية وتدير حملات إعلامية كبرى باسم “مكافحة التضليل”؟

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى