محمد عبد القادر يكتب.. على كل: من مآسي الحرب.. أنقذوا نوابغ السودان الفقراء..
النورس نيوز
على كل
محمد عبد القادر
نداءٌ إلى وزير التعليم العالي ومديري الجامعات والسفراء ورجال الأعمال..
من مآسي الحرب.. أنقذوا نوابغ السودان الفقراء..
فى أحد المطاعم بـ”منطقة فيصل” بالعاصمة المصرية القاهرة التقيته، لاحظت أنّ الصبي الصغير اليافع منهمك فى عمله بتفانٍ عجيبٍ، يرفع هنا ويضع هناك ويوصل الطلبات ويضعها أمامك بابتسامة، كنت أشعر أنها مُرهقة حين تشق طريقها وسط (وجهه الشاحب المخطوف).. “وعيونه “المجروحة الأحداق ذابلة البريق”..
تخيّلته “ابني”، فقد كان بينهما شبه، دعوته ليقاسمني الأكل شكرني بلطف، “نحن ممنوعين إلا بعد الدوام”، وانتبذ مكاناً قصياً داخل المحل، رأيته ساهياً سارحاً ولأنّ الوقت كان ظهيرة، فقد تبادر إلى ذهني سؤال حول وجوده فى هذا التوقيت خارج مقاعد الدراسة، ناديت عليه وسألته، “يا زول القراية وين؟!”، تلقى سؤالي كمن غرست نصلاً فى صدره، وأطلق آهة شعرت بحرارة وجعها قبل أن يجلس ويتذكّر أنه عاملٌ وينهض مرة أخرى ويجيبني بقوله: “خليها على الله يا أبوي”، أسرني خطاب الابن لأبيه فألححت عليه فى السؤال: احكي لي…
ابننا “ع” باختصار يُجسِّد حالة مُحزنة من تداعيات الحرب اللعينة، ويمثل شريحة مهمة أسقطناها من حساباتنا ضمن بند “الدنيا حرب”، بعض الذين وفدوا إلى العاصمة المصرية للدراسة الجامعية بمعدلات تحصيل عالية جداً، فوجئوا بزيادة الرسوم التي لا طاقة لهم بها رغم التخفيض، انصرفوا الآن عن مقاعد الدراسة، صلاحية شهاداتهم السودانية على وشك النفاد، هم من دفعة 2021 – 2022، ولأنّ ظروف آبائهم وأسرهم قد تغيّرت بفعل الحرب، فإنهم الآن خارج مقاعد الدراسة، هم مجموعة من النابهين والمتفوقين، وضعتهم الظروف خارج معادلة المستقبل، لم يلتفت إليهم الخيِّرون، ولم تتذكرهم الدولة، ولم يدر أمرهم بخلد وزارة التعليم العالي، ولا السفارات التي تهندس امتيازات المنح لأبناء السودان.. ولم تنتبه إليهم مروءة مديري الجامعات الخاصة، حتى صار التعليم العالي قيمة مبذولة للأغنياء والأغبياء فقط، أما أبناء السودان الشطار النابهين، فقد حاكمتهم الدنيا لأنهم معدمون وفقراء وصاروا خارج سياق مستقبل وطن ينزف بعض نوابغه الآن، وهذا أخطر أنواع النزيف..
غير “ع” الذي حدثتكم عنه، هنالك عشرات النوابغ ممن فقدوا فرصة التعليم العالي وهم المقبولون في كليات مرموقة مثل الطب والهندسات وغيرها..
من أحدثكم عنه مثلاً حاصل على نسبة (86,4%) من دفعة 2022 وقد تم قبوله بكلية الطب بإحدى الجامعات المصرية وفقاً للتخفيض الممنوح، وحينما هَمّ بالتسجيل على نسق الرسوم القديمة والإعفاءات آنذاك، وجد أن معادلة السداد قد تغيّرت، ولم يشأ إرهاق والده المريض في السودان، فطرق العمل بائعاً وحارساً ونادلاً في المطاعم، حتى يجمع حق الدراسة، فوجد نفسه مهدداً بتحديات البقاء والمصاريف اليومية حتى تاه في زحام الحياة وآثر الانكفاء على مأساته بدلاً من طرق أبواب الخيِّرين..
هذا واقعٌ نضعه أمام وزير التعليم العالي والبحث العلمي بروفيسور أحمد مضوي موسى، عله يلتفت إلى النوابغ المُعدمين من المتفوقين الذين حالت ظروف الحرب دونهم وإكمال الدراسة، لا بُـدّ من إنقاذ هؤلاء وعدم تركهم ضحية للفقر والحرب..
ثم إنّ النداء مُوجّهٌ إلى إخوتنا السفراء في محطات العالم المختلفة، يمكن أن يحوزوا على المنح المجانية، أدعوهم لمعالجة أمر هؤلاء النوابع، حرام أن لا يدرس الطب طالب حاز على ما فوق نسبة الـ80% لأنه فقير، ثم إنّ النداء يمتد إلى ملاك ومديري الجامعات الخاصة، اطلب منهم أن يفردوا حيِّزاً بين مقاعدهم لهؤلاء، رأفةً بالسودان الذي يفقد نوابغه الآن، وأثق في أن بينهم من يفعل الخير أعرفهم بالاسم ولا أريد أن أخصِّص..
ثم إنّ الدعوة مبذولة لرجال الأعمال وكل من في رزقه سعة للتكفل بمن يستطيعون من شريحة “ع” وأمثاله، المغلوبة على أمرها والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.











