
هندسة العاصفة.. منهجية “ترامب” في السودان
بقلم: رشان أوشي _ النورس نيوز
في هذه الأيام أطلعت على كتاب “لعبة الشيطان” للصحفي الأمريكي روبرت دريفورس الصادر عام 2005، والذي يكشف كيف تميل الولايات المتحدة إلى استخدام أدوات داخلية وقوى إقليمية لتصميم الفوضى أو إدارتها بما يخدم مصالحها الاستراتيجية، قبل أن تُلقي بالأزمة على الأطراف المحلية.
الكتاب قائم على وثائق وشهادات حقيقية، بعيدًا عن الدعاية، ويستعرض أدوات القوة الأمريكية من تحالفات ومساعدات سرية، إلى الهندسة الاجتماعية والسياسية وإدارة الصراعات الطويلة الأمد.
ويبدو أن نهج الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في العودة إلى الساحة الدولية يعكس عقلية رجل الأعمال نفسه، حيث يتابع المشهد السوداني ليس كأزمة وطنية تبحث عن تسوية، بل كساحة اختبار لميزان القوى الجديد بين الخليج وواشنطن.
يفتح ترامب بوابة السودان كمنصة تتقاطع فيها مصالح الرياض وأبوظبي، اللتين يراها في تقديره الخزانتين اللتين يمكن للبيت الأبيض استثمارهما كلما احتاج إلى دعم سياسي أو مالي.
تشير مؤشرات خطاب وسلوك ترامب إلى أن خطته المتوقعة ليست تهدئة الأزمة، بل إدارة الفوضى. إذ ينظر للرعاية الأمريكية وفق حسابات ربح وخسارة، مدركًا أن كل يوم إضافي في عمر الحرب يمنحه مساحة أطول للمساومة ووقتًا أوسع لابتزاز الحلفاء الخليجيين.
من جانبها، تعتبر السعودية السودان مهددًا أمنيًا ومجالًا استثماريًا في آن واحد، بفضل السواحل الطويلة والأراضي الزراعية الخصبة، إلى جانب ملف إعادة الإعمار الذي يتنافس عليه الحلفاء الإقليميون. أما الإمارات فمطامعها معروفة، وأكثر مباشرة، إذ تسعى إلى النفوذ عبر الذهب والموانئ وشبكات المقاتلين في مناطق الصراعات الممتدة من القرن الإفريقي إلى الساحل اليمني، في محاولة للتحكم في توازن القوى أمام الصعود الإيراني.
على هذه الخريطة المضطربة، يسعى ترامب للحصول على ما يريد، فكلما طال أمد الحرب في السودان ارتفع منسوب القلق الخليجي، وكلما ارتفع القلق ارتفعت فاتورة النفوذ الأمريكي.
لكن حسابات واشنطن لا تتطابق مع حركة المجتمع السوداني. فالقيادة السودانية تواجه ضغطًا جماهيريًا متصاعدًا يعتبر الحرب معركة سيادة، مما يقلص مساحة التماهي مع أي أجندات خارجية تحاول هندسة مستقبل البلاد وفق مصالحها الخاصة.
إن الرياح في السودان، بما تحمل من إرادة مقاومة متجذرة، قد تكون أقوى من السماح للقيادة بالانحناء أمام أي خطة صممت في أروقة البيت الأبيض، حتى لو ضمنت للمليشيات وحلفائها مستقبلًا سياسيًا مؤقتًا في البلاد.
وفي هذا المشهد المعقد، قد يراهن ترامب على الفوضى السودانية، لكنه لن ينسى أن التاريخ أثبت مرارًا أن الشعوب التي اختبرت الحروب تعرف كيف تفرض معادلاتها الخاصة، ولو بعد حين.
محبتي واحترامي











