أخبارمقالات

الجيش السوداني.. مواقف محسومة ورؤية لا تساوم

النورس نيوز

الجيش السوداني.. مواقف محسومة ورؤية لا تساوم

بقلم: رشان أوشي

يقيني — المبني على معلومات دقيقة لا على أمنيات، وعلى متابعة لصيقة لمسار الحرب والسياسة في السودان — أن الجيش السوداني بقيادة القائد العام الفريق أول عبد الفتاح البرهان لن يوقّع أي اتفاق سلام يعيد الجنجويد ومن والاهم إلى عتبة السلطة مرة أخرى. فهذه الصفحة التي أثقلت كاهل البلاد لن تُفتح مجددًا، ولا يبدو أن المؤسسة العسكرية مستعدة لقبول إعادة تدوير قوةٍ موازية للدولة كانت سببًا رئيسيًا في انهيار الأمن وانفجار المشهد السوداني.

ورغم الضغوط الغربية المتزايدة، والمحاولات المستمرة لتمرير تسويات تعيد إنتاج ذات المنظومات المسلحة، ورغم ما تضخه الإمارات من دعم سياسي ومالي في شرايين تلك المليشيا، إلا أن ذلك كله لم يعد كافيًا لفرض واقع جديد. فالمستجدات العسكرية على الأرض، وتغير المزاج الشعبي، وتماسك القيادة العسكرية في موقفها، تشير إلى أن ما يجري ليس إلا حالة من التفاوض التكتيكي، لا أكثر، الهدف منه كسب الوقت وإدارة المشهد حتى لحظة التمكين الكامل أو التحرير الشامل.

 

 

 

 

إن ما يراه الناس اليوم من لقاءات، أو وساطات، أو ضغوط، ليس تحولًا في جوهر الموقف العسكري، وإنما جزء من عملية “إطالة زمن الصراع السياسي” لجرّ كل الأطراف إلى نقطة النهاية التي ترى فيها القيادة العسكرية أن الدولة لن تستعيد عافيتها إلا بها. فالجيش يدرك أن أي تسوية تُعيد المليشيات بهيكلها وقيادتها تعني دورةً جديدة من التفكك وإعادة إنتاج الفوضى.

أما على مستوى الرؤية الأشمل، فإن الخروج من عنق الزجاجة لا يبدو ممكنًا من دون بوصلة دولية جديدة. فقد أثبتت السنوات الأخيرة أن الاعتماد على محورٍ واحد لا يكفي، وأن القوى الدولية الصاعدة — الصين وروسيا وتركيا وقطر — باتت شريكة أساسية في رسم خرائط النفوذ الإقليمي. والسودان، بما يحمله من موقع استراتيجي وموارد وحساسية جيوسياسية، لا يمكنه تجاوز هذه المراكز المؤثرة إن أراد إعادة بناء الدولة على أرضيةٍ مستقرة.

 

 

 

قد يطول الطريق، وقد تتعقد الحسابات، لكن المؤكد — في تقديري — أن المشهد يسير نحو مرحلة جديدة، مرحلة لا مكان فيها لعودة الجنجويد إلى دائرة الحكم، ولا مجال فيها للتنازلات التي تمس جوهر هيبة الدولة أو تعيد تدوير أسباب سقوطها.

وبين ضغوط الخارج ومراوغات الداخل، يبقى ثابتًا واحدًا:
لا سلام حقيقيًا دون دولة قوية، ولا دولة قوية مع وجود مليشيا موازية، ولا مخرج بلا بوصلة دولية تتجاوز الإرث القديم وتفتح للسودان بابًا جديدًا نحو الاستقرار.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى