مقالات

أسامه عبد الماجد يكتب: الحوار مع أمريكا أم الإمارات؟

أسامه عبد الماجد يكتب:

الحوار مع أمريكا أم الإمارات؟

0 من السذاجة أن يظن البعض أن ما يجري في واشنطن هو تفاوض مباشر بين الحكومة السودانية والإدارة الأمريكية.. أو أنه حوار يهدف إلى تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، أو يمثل تجاوزاً للوسطاء وإلغاء لدور الرباعية.. في تقديري، الولايات المتحدة لا تضع السودان – ولا حتى القارة الإفريقية بأكملها – ضمن أولوياتها في الوقت الراهن.. ما يجري في الواقع هو تفاوض بين السودان والإمارات بوساطة أمريكية.. تنتظر واشنطن نجاحه لتُكافأ بصفقات مالية واستثمارية من أبوظبي.
0 اللياقة السياسية والدبلوماسية للحكومة السودانية متدنية للغاية.. ولا تؤهلها لخوض مفاوضات جادة أمام طرف قوي ومحنك مثل الولايات المتحدة.. التي يقود فريقها رجل لا يعرف الخسارة ولا يقبل بالتعادل مثل ترمب.. والذي لا يتورع عن استخدام شتى الأساليب لتحقيق العلامة الكاملة في اي مبارة.. تشكيلة الوفد السوداني نفسها توحي بأن الحوار ليس مع واشنطن.. بدءاً من وزير الخارجية محي الدين، الذي لم يلتقِ بأي مسؤول أمريكي لا خلال مشاركته في الاجتماعات الأممية الأخيرة ولا بعدها.. ثم السفير السوداني في واشنطن – دفعة كباشي – الذي كان وجوده عبئاً على العلاقات الثنائية لتواضع أدائه وغياب مبادراته.
0 وبحسب المعلومات المتداولة، يضم الوفد رئيس هيئة الاستخبارات الفريق محمد علي صبير.. إضافة إلى العقيد عمرو أبو عبيدة، السكرتير الخاص لرئيس مجلس السيادة، وهو بمثابة “عين الرئيس” على مجريات النقاش.. ولو كان الحوار، كما ذكرت الخارجية ، يدور حول التعاون الاقتصادي والإنساني.. وإعادة بناء العلاقات على أسس المصالح المشتركة، لضم الوفد مدير المخابرات العامة أحمد مفضل وليس نائبه.. ومفوض العون الانساني ،إلى جانب محافظ المركزي ووزيري الدفاع والمالية، “الاخير لو تمت دعوته لكان ذلك بمثابة حسن نوايا لرفع العقوبات المفروضة عليه.. تماماً كما كانت توليفة الوفد الذي أدار أنجح حوار مع واشنطن في عام 2017.
0 الحكومة السودانية لا تملك خارطة طريق للتفاوض مع أي دولة.. ناهيك عن الولايات المتحدة، حتى مع مصر، وبرغم وضوح القضايا المشتركة.. لم يحرز أي تقدم في ملفات مثل الطلاب والتأشيرات.. فمنذ 2019 وحتى اليوم، تعاقب على وزارة الخارجية ثمانية وزراء.. مايدل ان القيادة تعيش حالة من عدم الرضا وانعدام الثقة تجاه الوزارة.. ما جعل كثيراً من الملفات الخارجية تُدار عبر “الدبلوماسية الرئاسية”. كما ان البلاد تخوض حرباً منذ أكثر من عامين ونصف، فيما يبدو الجهاز التنفيذي بقيادة كامل إدريس تائهاً وضعيف الفاعلية.
0 أما واشنطن، فهي لا تضيع وقتها، وقد تبنّت – منذ ما بعد حقبة أوباما – سياسة تقوم على تجنب التدخل المباشر.. حتى اتفاق غزة الذي رعاه ترمب شخصياً وشارك في حفل توقيعه بمصر مؤخراً.. كان يهدف أساساً إلى حماية المصالح الإسرائيلية.. وكان من المفترض أن تشارك قوات أمريكية في تأمين غزة، لكن نائب ترمب، دي فانس، أكد خلال زيارته لإسرائيل قبل يومين أن بلاده لن تنشر قوات على الأرض هناك.
0 الشواهد كلها تؤكد أن الحوار الحقيقي هو مع الإمارات.. وهذا أمر جيد في جوهره، ولا أحد أنسب من الوزير محي الدين لإدارته.. وقد كتبت في هذه المساحة بتاريخ 3 فبراير 2024 تحت عنوان “الإمارات.. كيف تفكر تجاهنا”.. داعياً حينها إلى حوار استراتيجي مع أبوظبي واقترحت تعيين سالم وزيراً للخارجية لإدارة هذا الملف.. وها هي الأمور تسير الآن كما اقترحت.. لكن يبقى السؤال كيف يجب أن يدار هذا الحوار؟
0 قبل الاجابة تضم الإدارة الأمريكية رجال أعمال أكثر مما تضم سياسيين محترفين.. بدءاً من ترمب رجل الأعمال، مروراً بالمبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط الملياردير ويتكوف المستثمر ومطور العقارات.. وكبير مستشاري ترمب للشؤون العربية مسعد بولس الخبير في تجارة السيارات والمعدات.. وصولاً إلى صهره ومستشاره السابق جاريد كوشنر، رجل الأعمال المعروف.. هؤلاء ينظرون إلى الحوار مع السودان كصفقة استثمارية كبرى مع الإمارات تعود عليهم بالمكاسب.
0 حسناً.. على الحكومة السودانية أن تتعامل بذات منطق “صفقات البيت الأبيض”.. وتطلب من واشنطن محفزات مقابل قبولها بالوساطة. . غير أن ضعف الوفد السوداني – لا سيما وجود الفريق صبير الخاضع لعقوبات أوروبية – مما يجعله مشوش التفكير.. يجعل من الصعب توقع هذا النهج، خصوصاً في ظل غياب رؤية واضحة للحكومة كما اسلفت.. ولكن من القضايا التي تستحق النقاش مع واشنطن.. تفعيل رفع العقوبات المفترض منذ 2017 والتي لم تنفذ عملياً بعد.. إذ لا تزال التحويلات المالية من وإلى السودان مقيدة بشدة.
0 كما ينبغي أن تضغط الخرطوم على واشنطن لتصنيف المليشيا كمنظمة إرهابية.. ومواصلة فرض العقوبات على كبار قادتها، وخاصة بقية أبناء دقلو.. مع السعي لإقناع الشركات الخليجية بالمشاركة في إعمار السودان.. لأن الولايات المتحدة نفسها لن تكون متحمسة للاستثمار المباشر بسبب ضعف المشروعات المحلية.. كذلك يجب أن تطالب الحكومة بمكافأة السودان على دوره الكبير.. في مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف والهجرة غير الشرعية.. فضلاً عن دوره في تأمين البحر الأحمر.
0 أما بشأن العلاقة مع إيران، فعلى واشنطن أن تدرك أنها علاقة طبيعية لا خفية.. فقد قطع السودان علاقاته مع طهران عام 2016 تضامناً مع السعودية.. بينما اكتفت الإمارات بسحب سفيرها وأصدرت قطر والكويت بيانات احتجاج فقط.. وأعاد السودان علاقاته مع طهران بعد أربعة أشهر من اتفاق المصالحة بين الرياض وطهران التي جرت في مارس 2023 بوساطة عراقية ورعاية صينية، وبالتالي لا مجال للمزايدة في هذا الملف كما يفعل “القحاتة” والمليشيا.
0 وأخيراً كي يقبل السودان بوساطة ادارة ترمب ينبغي مطالبتها رفع العقوبات.. عن الرئيس البرهان ورئيس منظومة الصناعات الدفاعية ميرغني إدريس.. وأن يدار حوار صريح حول هذه القضية، إذ إن واشنطن تساوي بين البرهان والباغي الشقي حميدتي.. وروجت لوصف الحرب بأنها “صراع بين جنرالين”.. وفرضت عقوبات على الرئيس بعد أسبوع واحد فقط من معاقبة كبير الجنجويد.. مما يظهر بوضوح عدم رغبتها في استمرار البرهان بالسلطة.
0 ومهما يكن من امر.. يبقى السؤال حول كيفية إدارة الحوار مع الإمارات، وسنفرد لذلك مساحة خاصة في هذه الزاوية لاحقاً.

السبت 25 اكتوبر 2025
osaamaaa440@gmail.com

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى