
القطاع الصحي في السودان من ركام الحرب إلى معركة الإعمار
تسببت حرب 15 أبريل 2023م التي أشعلتها مليشيا الدعم السريع المتمردة في كارثة شاملة للقطاع الصحي السوداني، حيث تحولت المستشفيات والمراكز الطبية إلى مقرات عسكرية، وتعرضت للتدمير والنهب، ما أدى لانهيار شبه كامل في الخدمات الصحية الأساسية.
تشير تقديرات وزارة الصحة الاتحادية إلى أن أكثر من 200 مرفق صحي تضرر، بينها 60 مستشفى رئيسياً، فيما توقفت 120 مركزاً عن العمل. ملايين المرضى وجدوا أنفسهم بلا علاج، مع تراجع القدرة على توفير الأدوية والمستلزمات الطبية.
رغم الظروف الأمنية، أطلقت وزارة الصحة خطة طارئة لإعادة تشغيل المستشفيات والمراكز، وتأمين الأدوية الأساسية، وتوفير معدات عاجلة، بجانب إدخال تطعيمات جديدة منها لقاح الملاريا لأول مرة في السودان. كما أعادت تشغيل معظم المستشفيات في المناطق المحررة، وافتتحت 5 مستشفيات جديدة وأكثر من 30 قسماً متخصصاً.
الدعم الدولي لعب دوراً محورياً، إذ تجاوز التمويل 242 مليون دولار خلال عام 2024، فيما ساهمت منظمات كاليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية والهلال الأحمر السوداني والصليب الأحمر الدولي في تغطية الفجوة الدوائية وتقديم الرعاية للنازحين. كما قدمت دول مثل السعودية، مصر، قطر، تركيا، والكويت مساعدات عاجلة بالأدوية والمعدات الطبية.
هذه الجهود المشتركة مكنت بعض المستشفيات من استئناف العمل بنسبة 70%، ووفرت خدمات صحية أساسية لأكثر من 1.5 مليون مواطن، ما ساعد في تقليص معدلات الوفيات بنسبة 25%. غير أن الكوادر الطبية دفعت ثمناً باهظاً بالقتل والتشريد، ما استدعى استيعاب 2500 كادر جديد خلال العامين الماضيين لإعادة الخدمة إلى عشرات المستشفيات والمراكز.
التجربة أكدت أن إعادة بناء القطاع الصحي وسط الحرب مهمة شاقة، لكنها ليست مستحيلة، وأن تضافر الدولة والشركاء الإنسانيين والداعمين الدوليين شكل نقطة تحول أعادت الأمل، ورسخت أن عزيمة الإصلاح قادرة على الصمود حتى في أقسى الظروف.











