تفاصيل مثيرة في ملف فساد قنصلية حلفا
بقلم: ✍️ هاجر سليمان
النورس نيوز _ لا تزال قضية معبر أشكيت تفتح أبوابًا واسعة للتساؤلات حول حجم الفساد الذي ينخر في بعض مؤسسات الدولة، ومدى تغلغل الحماية التي يحظى بها بعض الموظفين حتى يتجرأوا على ارتداء عباءات إدارية عليا لا تليق بهم.
القضية بدأت حين عُثر بحوزة أحد الموظفين – لا يتجاوز موقعه الدرجة الوظيفية (17) – على خطابات رسمية ممهورة بتوقيعه وختمه باعتباره مديرًا للمعبر تارة، ونائبًا للمدير تارة أخرى، بل وحتى مشرفًا إداريًا في بعض الخطابات. كيف لموظف صغير أن يجمع بين كل هذه الصفات الوظيفية العليا؟ وكيف استطاع أن يرسل مخاطبات للجانب المصري تحمل ختم المعبر وكأنها صادرة من الجهة الرسمية المختصة؟
المحكمة استمعت للمتحري، واطلعت على المستندات التي أثبتت بما لا يدع مجالًا للشك أن التزوير لم يكن مجرد نزوة فردية، بل ممارسة متكررة استندت إلى ثقة غريبة بغياب المساءلة. وزارة النقل بدورها أكدت أن المتهم الأول مجرد عامل، لا يملك حق التوقيع أو التمثيل، وهو ما يدحض أي محاولة لتبرير ما قام به.
لكن اللافت في القضية، أن المدير العام للمعبر – المتهم الثاني – حاول التنصل بالقول إنه لم يكن موجودًا أثناء وقوع تلك التجاوزات. غير أن وزارة النقل نفت ذلك رسميًا، لتضعه في موضع الشبهة وتفتح الباب واسعًا أمام فرضية التواطؤ.
ما ينبغي التوقف عنده هنا ليس مجرد تجاوزات موظف صغير، بل السؤال الأعمق: من الذي وفّر الغطاء والحماية لمثل هذا العبث؟ من الذي منح الضوء الأخضر لموظف هامشي ليتحول إلى “مدير” و”نائب مدير” و”مشرف إداري” في وقت واحد؟
إن مثل هذه القضايا تكشف عن شبكات فساد لا تقتصر على أفراد، بل تمتد إلى منظومات كاملة تعمل بثقة تامة بأنها ستنجو من العقاب. العصابة – كما يسميها البعض – ليست مجرد مجموعة موظفين متورطين، بل حلقة من حلقات فساد أوسع تستمد قوتها من نفوذ نافذين يعلمون أن الدولة عاجزة أو مترددة في محاسبتهم.
اليوم يقف المتهمون أمام المحكمة، لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل سنشهد محاسبة حقيقية، أم أن القضية ستنتهي كما انتهت قضايا كثيرة قبلها، بتبريرات شكلية وإفلات المعتادين من العقاب؟
الفساد في المعابر ليس جديدًا، لكن ما جرى في معبر أشكيت يعكس حجم الاستهتار بمؤسسات الدولة ورموز السيادة الوطنية. وهي رسالة خطيرة إذا لم تجد الردع الكافي، فإنها ستشجع آخرين على تكرار التجربة في معابر ومؤسسات أخرى.
فهل نترقب عدالة ناجزة توقف هذا النزيف، أم أن شبكة حلفا ستجد طريقها مرة أخرى للإفلات كما اعتادت؟











