
حكومة الوهم
مقالات _ النورس نيوز
✍️ بقلم: حسن عبد الرضي الشيخ
في مقاله الأخير، أشار الكاتب الصحفي عثمان ميرغني إلى أن “العد التنازلي لحكومة الأمل قد بدأ”، في توصيف يعكس تراجع الثقة في قدرة هذه الحكومة على الاستمرار أو إحداث التغيير المنشود. غير أن الجدل لم يتوقف عند هذا الطرح، بل فتح الباب واسعاً لنقاش أعمق حول طبيعة الحكومة، ومدى شرعيتها، وجدوى بقائها.
منذ اليوم الأول لتشكيلها بقيادة كامل إدريس، وُصفت الحكومة بأنها لا تمثل مشروعاً وطنياً حقيقياً، بل مجرد غطاء سياسي يهدف إلى تخفيف عزلة السلطة القائمة بعد الانقلاب. ولهذا، يرى كثيرون أنها ولدت ضعيفة، وأن تسميتها بـ”حكومة الأمل” لم تتجاوز حدود الشعار، بينما الواقع يشير إلى أنها أقرب إلى “حكومة الوهم”.
إشكالية غياب القرار
انتقادات عثمان ميرغني ركزت على بطء الأداء وغياب القرارات الجوهرية. لكن جوهر الأزمة، كما يرى محللون سياسيون، يتجاوز ضعف الكفاءة إلى غياب القرار نفسه. فالحكومة الحالية لا تملك استقلالية حقيقية، وإنما تُدار بقرارات تأتي من خارج إطارها الرسمي.
المشهد الأخير لانتقال الوزراء من بورتسودان إلى الخرطوم من أجل اجتماع وُصف بالتاريخي، انتهى دون قرارات ملموسة، ما أثار موجة من السخرية والتشكيك في جدوى هذه الاجتماعات. بل إن بعض الأنشطة الرمزية، مثل حملات النظافة التي نظمها بعض الوزراء، أعادت للأذهان صوراً من ممارسات النظام السابق حين كان يسعى إلى صناعة مشهد شعبوي للاستهلاك الإعلامي.
أزمة الشرعية والسند الشعبي
الانتقادات لم تقتصر على الأداء فحسب، بل امتدت إلى جذور التشكيل نفسه. إذ يرى مراقبون أن الحكومة لا تستند إلى قاعدة شعبية أو شرعية سياسية، وإنما جاءت كآلية مؤقتة لتخفيف الضغط الدولي والإقليمي. لذلك، فإن التحديات الهيكلية التي تواجهها ليست مرتبطة بضعف الكوادر أو غياب البرامج فقط، بل بغياب السند الشعبي الذي يمكن أن يمنحها الاستقرار والاستمرارية.
المستقبل المجهول
البعض يرى أن إقالة الحكومة لن تغيّر شيئاً، لأنها لم تبدأ فعلياً في أداء مهامها، بينما يذهب آخرون إلى أن الحل يكمن في العودة إلى المسار الديمقراطي وإعادة السلطة للشعب، باعتبار أن أي حكومة لا تستمد شرعيتها من الناس ستظل مجرد جسر مؤقت يطيل أمد الأزمة.
إن ما يُسمى بـ”العد التنازلي لحكومة الأمل” قد يكون في الحقيقة استمراراً لحالة الفراغ السياسي، وهو ما يفاقم الأزمة السودانية ويفتح الباب لمزيد من التساؤلات حول المستقبل: هل سيظل المشهد رهين الحكومات الانتقالية المؤقتة، أم أن السودان سيشهد انطلاقة حقيقية نحو بناء دولة مدنية ديمقراطية تستمد شرعيتها من الشعب لا من قرارات الجنرالات؟









