مقالات

لقد باع لهم البحر!.. قراءة في مشهد مرتبك وسلطة تعيش خارج النص

النورس نيوز

لقد باع لهم البحر!.. قراءة في مشهد مرتبك وسلطة تعيش خارج النص


بقلم: عزمي عبد الرازق

النورس نيوز _ لم يكن لقاء رئيس الوزراء د. كامل إدريس مع وفد اتحاد الصحفيين حدثاً يستحق الانتظار، فقد جاء – كما ورد في الخبر – خالياً من أي إشارة إلى جوهر الأزمة، وكأن الرجل يتعمّد الدوران حولها لا الدخول فيها، ويكرر ذات الطريقة التي سار عليها مكتبه التنفيذي في التعامل مع الصحافة: نظرة فوقية تتخفّى خلف الأدب البروتوكولي، لكنها تحمل في جوفها قدراً من الاحتقار الصامت، وإصراراً مقلقاً على ألا تُرى الحقيقة إلا من نافذتهم الضيقة.

 

 

 

 

الرجل لم يعتذر عمّا لحق ببعض الصحفيين من سباب وشتائم، مع أنه الطرف الأكثر مسؤولية عن تلك الممارسات، لا سيّما تلك الحملة المنظمة التي انطلقت بتوجيهات مكتبه، واستندت إلى بلاغات فُتحت لا لتحقيق العدالة، بل لإرهاب الأقلام وإسكات الأصوات. ولعل السؤال الذي ما يزال معلّقاً في الهواء: ما علاقة مواد الإرهاب وتقويض النظام الدستوري بقضايا النشر؟ وكيف تتم معاملة الرأي بوصفه جريمة، بينما تختفي الوجوه المسيئة خلف ستار الحماية الرسمية، لا تمثل أمام النيابة ولا تُسأل؟

 

 

 

 

الذاكرة الرقمية ما زالت تحفظ للكثيرين تلك العبارات السوقية التي تفوّه بها مستشاره حين وصف الصحفيين بـ”المدّاحين”، وتوعّد بتطهير المدينة منهم، وغير ذلك مما يخجل اللسان من ترديده. فإذا كانت الحكومة ترى حملة الأقلام كذلك، فما ذنب المدّاحين الذين يمدحون رسول الله ﷺ حباً وطلباً للشفاعة؟ وكيف يُقذف الشرف بهذه الخفّة، ثم يتحوّل الضحية إلى متّهم، ويُتوارى أصحاب الأوصاف الجارحة خلف الامتيازات والرواتب والسفريات؟

 

 

 

 

الأعجب أن رئيس الوزراء، الذي لا يفوّت مناسبة إلا ويطالب فيها باحترام القانون وسيادة المؤسسات، هو نفسه الذي لم يلتزم بوعده بشطب البلاغات، ولم يُخضع مستشاريه لمبدأ سيادة القانون. بل بلغ الأمر أن اتهمونا – عبر الوكالة الرسمية – بخدمة خط المليشيا، فقط لأننا تساءلنا عن أسباب غيابه الطويل، ولماذا لم يزر معسكرات النازحين في الدبّة؟ وكتبنا عن حالة الانكفاء التي يعيشها، وعن تدهور الخدمات واتساع فجوة الإدارة. فجاءت زيارته اللاحقة لمطار بورتسودان والدبّة وبعض المؤسسات الخدمية لتؤكد – من حيث لا يريد – صحة ما كتبناه.

 

 

 

المسألة إذن ليست في زيارة متأخرة، ولا في لقاءات مجاملة تُلتقط فيها الصور وتنطفئ بعدها الأضواء. القضية أن احترام الصحافة لا يُجزّأ، وأن السلطة التي لا تسمع للنقد، ولا تحترم الكلمة، ستجد نفسها قريباً سجينةً خلف أسوار عالية، بلا هدى ولا كتاب مبين.

 

 

فالصحافة ليست خندقاً للهجوم، ولا درعاً للحكومة، بل عين الشعب التي لا يمكن تعمية بصيرتها، مهما حاولت السلطة أن تبيع لها البحر في زجاجة. الكلمة الحرة، مهما تعثرت، ستظل الطريق الوحيد نحو دولة تُدار بالعقل لا بالخصومة، وبالشفافية لا بالتجريم، وبالشراكة لا بالإقصاء.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى