أسامه عبد الماجد يكتب:
نيران حول البرهان !!
0 يبدو أن على الرئيس البرهان أن يدرك أن الولايات المتحدة أشعلت محيطه بالأزمات.. وأوقدت النيران تحت قدميه وزرعت حوله الغام.. وتركت من خلفها توتراً سياسياً كبيراً، فيما يظهر بعض مسؤوليها امثال مسعد بولس كأنهم يحققون انتصارات دبلوماسية.. والمؤسف أن المقربين من البرهان – ممن يحيطون به بالثناء مهما كانت الخطوة ولو احتسى كوب قهوة في كورنيش بورتسودان – لا يدركون حقيقة المشهد.
0 وقد بدأ هذا السيناريو العام الماضي حين ظهرت مزاعم باستخدام الجيش السوداني لأسلحة كيميائية.. ثم أعلنت واشنطن في مايو الماضي اتهاماً رسمياً للقوات المسلحة السودانية باستخدام تلك الأسلحة خلال الحرب.. وحين تطرح دولة مثل امريكا اتهامات في لحظة سياسية حساسة.. دون تقديم أدلة فنية للمنظمة المختصة.. فإن ذلك يثير الكثير من التساؤلات.
0 فالعالم لم ينس بعد كيف تمت صناعة ذرائع “كيماوية”.. لتبرير غزو العراق، ثم تبين لاحقاً أنها لم تكن قائمة على حقائق.. وكان الهدف رأس الرئيس صدام حسين.. ويبدو أن واشنطن وبعض حلفائها يحاولون فرض أجندات سياسية عبر أدوات مختلفة، من بينها التضليل والضغوط، مع مساعٍ لتحويل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية من هيئة فنية محايدة إلى منصة للصراع السياسي.
0 ورغم هذه التحديات، حقق السودان انتصاراً دبلوماسياً مهماً حين انتخب عضواً في المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية للفترة 2025–2027، وهو إنجاز لم يُستثمر بالشكل المطلوب. لكن بعد ذلك بفترة وجيزة، وتحديداً في يناير الماضي، فرضت واشنطن عقوبات على الرئيس البرهان.
0 منذ اندلاع التمرد بقيادة حميدتي، يقاتل الجيش دفاعاً عن الدولة ومؤسساتها باستخدام الأسلحة التقليدية.. رغم نقص الذخائر والمعدات والمسيرات في بعض الفترات. وفي المقابل، توفرت روايات وشهادات تشير إلى استخدام مواد كيميائية من قبل مليشيا اولاد دقلو في الهجمات، خاصة في الفاشر، حيث وردت تقارير عن أعراض اختناق وإصابات متتالية عقب قصف لمناطق مدنية.. هي التي صنعت الخراب في الخرطوم ودارفور وكردفان، لا أسلحة خيالية يحاول “الأمريكان” إلصاقها بالجيش السوداني.
0 كما لم يعد خافياً الدور الذي لعبته بعض الدول في الإقليم عبر تقديم الدعم العسكري للتمرد.. وهو ملف لم تنجح الحكومة السودانية في تحريكه دولياً بالشكل الكافي، رغم أن تلك الإمدادات التي تشير إليها صور الأقمار الصناعية وبعض تقارير المنظمات أسهمت في تأجيج الصراع ووقوع كارثة إنسانية واسعة.
0 ما دعانا لتذكير الحكومة ان لاهاي احتضنت الدورة الثلاثين لمؤتمر الدول الاطراف في اتفاقية حظر الاسلحة الكيميائية التي تختتم اليوم .. حيث عادت واشنطن الى ممارسة هواية الادعاءات الكاذبة واصدار اتهامات وقرارات تتسم بالابتزاز السياسي وتزييف الحقائق كما وصفها الوزير الاعيسر من قبل.. امام المؤتمر قال كبير مسئولي مكتب نزع السلاح و منع الانتشار بالادارة الأمريكية ويدعى بول فاتسلافيك أن بلاده توصلت إلى أن حكومة السودان استخدمت أسلحة كيميائية العام الماضي.
0 وعاد بول واستخدم الجزرة – كما اعتادوا – مؤكداً استعداد بلاده للانخراط مع السودان في حال اتخذ خطوات فعلية وموثوقة للتعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والالتزام بواجباته.. حرص وفد السودان في لاهاي والقادم من بورتسودان .. والتحية للبعثة بقيادة القائم بالأعمال السفيرة أميمه الشريف – واركان سلمها.
0 حرص السودان على التأكيد أن انتخابه في المنظمة جاء تتويجاً للجهود التي بذلتها الحكومة لتعزيز مكانتها الدولية، وترسيخ دورها الفاعل داخل المنظمات الأممية. ويعكس هذا الانتخاب رسالة واضحة بأن المجتمع الدولي يدرك أهمية السودان، ويثق في قدرته على الإسهام في تعزيز الأمن الكيميائي العالمي، لا تهديده، وعلى مواجهة التحديات المرتبطة بمنع انتشار واستخدام الأسلحة الكيميائية.. وقد شدد السودان على ضرورة عدم تسييس عمل المنظمة والحفاظ على مهنيتها وإبعادها عن صراعات النفوذ.
0 حسناً.. على الحكومة ان تعمل على توسيع النشاط الدبلوماسي لسفارة السودان في هولندا.. عبر زيادة كادرها وتعزيز الثقة في قيادة البعثة برئاسة السفيرة أميمة.. لتكون هذه الخطوة بداية لانطلاقة قوية تمكن من مواجهة حملات التشويه القائمة وحماية مصالح البلاد.. ويمكن للحكومة اعتماد خارطة طريق عملية عبر سفارتها في هولندا – حيث مقر منظمة حظر الأسلحة الكيميائية – من خلال إنشاء وحدة اتصال فنية دائمة مع المنظمة تضم مختصين سودانيين في الكيمياء والتحقيقات الجنائية العسكرية.. لتقديم ردود سريعة وموثقة على أي ادعاءات مستقبلية.
0 كما يعتبر دعوة المنظمة لإجراء زيارة ميدانية للسودان خطوة مهمة تعكس الشفافية.. إذ تتيح القيام بفحص موقعي في المناطق الواردة في الاتهامات، وتسحب البساط من أي محاولات للتسييس.. ويجب أن تترافق هذه الخطوة مع حملة إعلامية تعتمد على الحقائق وتوثيق جرائم مليشيا أولاد دقلو الإرهابية، خاصة في المناطق التي استخداموا فيها مواد محظورة فيها، وعلى رأسها مدينة الفاشر.
0 ومن الضروري أيضاً نشر تقارير فنية مستقلة تعدها.. جهات وطنية بالتعاون مع خبراء دوليين، إضافة إلى بناء تحالفات داخل المنظمة، والعمل مع دول إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية للتصدي لأي محاولات للتسييس.. كما ينبغي تعزيز دور السودان كعضو في المجلس التنفيذي بطرح مبادرات عملية، مع تكثيف اللقاءات مع الخارجية الهولندية والبعثات الأوروبية، والتواصل مع الإعلام الهولندي والدولي لعرض الرواية السودانية بموضوعية.
0 يقف السودان اليوم في مواجهة حملة معقدة تتقاطع فيها الجوانب السياسية والفنية والدبلوماسية والإعلامية.. إلا أن قوة موقفه تكمن في وضوحه.. الجيش لم يستخدم الأسلحة الكيميائية، ولم يثبت عليه أي دليل.. بينما تبقى المليشيا الإرهابية وحدها في دائرة الاتهام بالأفعال لا بالتصريحات. وما يحتاجه السودان حالياً هو تفعيل أدواته الدبلوماسية بكفاءة.
0 ومهما يكن.. فإن على السودان أن يستثمر عضويته الجديدة في المنظمة لحماية مصالحه.. وإظهار الحقيقة كما هي بعيداً عن الضوضاء والغوغاء.
الجمعة 28 نوفمبر 2025
osaamaaa440@gmail.com
