مقالات

رشان أوشي تكتب: البرهان والرباعية.. معركة القرار الوطني

النورس نيوز

رشان أوشي تكتب: البرهان والرباعية.. معركة القرار الوطني

إلى أخي مبارك أردول…

لن نُهان، ولن نُذل، ولن نُطيع الأمريكان.

النورس نيوز


جنح مجلس الأمن والدفاع نحو السلام، لكنه سلامٌ يقوم على قاعدة السيادة لا على قاعدة الوصاية. تسوية لا تخضع لمعادلات مفروضة بقوة النفوذ الدولي، بل لصوت الدولة الوطنية التي ما زالت تقاوم محاولات إعادة هندسة قرارها السيادي.

الموقف الذي أعلنه القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبد الفتاح البرهان ورفاقه يأتي رداً على التيار الذي يدعو للرضوخ للضغوط الخارجية، وهو تيار تقوده شخصيات مثل مبارك أردول وآخرين، ممن يرون أن قبول الوصفات الدولية هو الطريق الوحيد لإنهاء الحرب.

لكن ما حدث قبل اندلاع الحرب يكشف أن الأمر أعمق من ذلك. فالرباعية الدولية لعبت دوراً محورياً في رسم مسار التسوية عبر الاتفاق الإطاري، الذي بدا للوهلة الأولى محاولة لإعادة الانتقال إلى مساره المدني، بينما كان في جوهره مشروعاً لإعادة تشكيل مركز القرار الوطني عبر شرعنة مليشيا الدعم السريع وإدراجها طرفاً أساسياً في العملية السياسية والعسكرية.

بهذه الآلية، كان الإطاري — في صيغته الحقيقية — محاولة لتفكيك قلب الدولة عبر منح مليشيا مسلحة غطاءً دولياً وقانونياً يضمن استمرار نفوذها الاقتصادي والعسكري، على حساب الجيش السوداني ومؤسسات الدولة. وبذلك تحولت العملية السياسية إلى بوابة لإضعاف الدولة لا تقويتها، ولزرع كيان مسلح موازٍ يشارك في صناعة القرار كما لو كان دولة داخل الدولة.


الرباعية الدولية، في صورتها الواقعية، ليست سوى امتداد لنمط الهيمنة الاستعمارية القديمة، لكن بملابس جديدة وخطاب مخملي. تتحرك باسم السلام، بينما تقود في جوهرها مشروع “إدارة الشعوب بالوكالة”، مشروعٌ يُضعف مؤسسات الدولة ويُحوّل قوى السلاح الخارجة عن بنية القيادة المركزية إلى وكلاء محليين.

وما يحدث في السودان اليوم ليس بعيداً عن ذلك؛ حصار اقتصادي، وعقوبات سياسية، ورعاية لتغيير ديمغرافي خطير يتم عبر تفكيك المجتمع الأصلي وتمكين مجموعات مسلحة لتتحكم في الأرض والسكان والموارد. إنها وصفة لتكوين دولة هشّة مرتبطة بالمراكز الدولية، لا دولة ذات سيادة مكتملة.

لكن ما لم تحسب له الرباعية حساباً هو الذاكرة التاريخية للشعب السوداني. فهذه البلاد قاومت الاستعمار منذ الثورة المهدية، وواجهت محاولات الوصاية خلال فترة التحرر الوطني، ورفضت الهيمنة بكل وجوهها بعد الاستقلال. وحتى اليوم، رغم الجراح العميقة التي خلفتها الحرب، ما زال الوعي الوطني متقداً، قادراً على فرز قياداته في اللحظة الحرجة، وقادراً على الوقوف أمام كل محاولة لإعادة إنتاج التحكم الخارجي.


التاريخ لا يعيد نفسه إلا عندما تنسى الشعوب معاركها الأولى. والسودان، رغم ما يعيشه، لا ينسى. يتذكر أن الحرية تُنتزع ولا تُمنح. يتذكر أن السيادة ليست شعاراً بل ممارسة، وأن الدولة لا تقوم على رضا الخارج بل على قوة قرارها الداخلي.

ما بين البرهان والرباعية ليست معركة إجراءات سياسية، بل معركة قرارٍ وطني بين دولة تريد أن تستعيد سيادتها، وقوى دولية تريد أن تُعيد تشكيلها.

وللتاريخ بقية…

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى