
تقرير أممي: فساد ممنهج ينهب ثروات جنوب السودان ويعمّق أزماته الاقتصادية
النورس نيوز _ كشف تقرير حديث صادر عن لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في جنوب السودان، عن تورط النخبة السياسية في عمليات فساد واسعة النطاق، وصفها التقرير بأنها “نهب ممنهج لثروات البلاد”، الأمر الذي يعكس عمق الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تمر بها الدولة الفتية منذ استقلالها.
وبحسب التقرير، الذي صدر من العاصمة الكينية نيروبي، فإن ما يقرب من 1.7 مليار دولار جرى تحويلها بين عامي 2021 و2024 إلى شركات على صلة مباشرة بنائب الرئيس بنجامين بول ميل، مقابل مشاريع بنية تحتية لم يتم تنفيذها على أرض الواقع. واعتبرت اللجنة أن هذه الممارسات تمثل نموذجاً صارخاً للفساد الكبير الذي يعصف بمؤسسات الدولة، ويقوّض قدرتها على إدارة شؤون البلاد وتلبية احتياجات مواطنيها.
وأشار التقرير إلى أن هذه الظواهر انعكست بشكل مباشر على مؤشرات الاقتصاد الكلي، حيث انخفض متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى ربع مستواه مقارنة بما كان عليه عند إعلان الاستقلال في عام 2011، ما يوضح حجم التراجع الاقتصادي الحاد الذي تشهده البلاد.
وفي جانب آخر، أوضح التقرير أن المخصصات السنوية للوحدة الطبية الخاصة بالرئيس تجاوزت حجم الإنفاق الحكومي على قطاع الصحة بأكمله، ما يكشف عن خلل واضح في أولويات الصرف العام، ويعزز الفجوة بين مصالح النخب الحاكمة واحتياجات المواطنين اليومية.
وفي رد رسمي مكتوب، نفى وزير العدل جوزيف قنق صحة الأرقام الواردة في التقرير، مؤكداً أن البيانات الحكومية لا تتطابق مع ما نشرته لجنة الأمم المتحدة، وعزا الأزمة الاقتصادية إلى عوامل خارجية مثل النزاعات المسلحة وتغير المناخ وتراجع إيرادات النفط. في المقابل، امتنع المتحدث باسم نائب الرئيس عن التعليق على ما ورد في التقرير.
منذ استقلالها عام 2011، تعاني جنوب السودان من صراعات مسلحة متكررة كان أبرزها الحرب الأهلية بين 2013 و2018، والتي خلفت نحو 400 ألف قتيل. ومؤخراً، وجهت الحكومة اتهامات للنائب الأول للرئيس ريك مشار بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، في خطوة يرى مراقبون أنها قد تزيد من حدة التوترات السياسية وتصعّد الاقتتال الداخلي.
ورغم هذه التحديات، حذرت لجنة الأمم المتحدة من أن الفساد يظل العامل الأشد خطورة في إدامة الأزمة الإنسانية والسياسية في البلاد. وأشارت إلى أن نحو ثلثي سكان جنوب السودان، البالغ عددهم 12 مليون نسمة، يعيشون أوضاعاً حرجة من الجوع وانعدام الأمن الغذائي.
واستند التقرير إلى أكثر من 173 اجتماعاً ومقابلة أجرتها اللجنة بين عامي 2022 و2024، إلى جانب مراجعة بيانات مالية ووثائق حكومية رسمية. وخلصت اللجنة إلى أن غياب المنافسة السياسية، والسيطرة المطلقة على الموارد، ساعد النخبة الحاكمة على استغلال الانقسامات العرقية لتحقيق أهدافها الخاصة، في مشهد يهدد فرص الاستقرار والتنمية في جنوب السودان على المدى الطويل.











