قفزة تاريخية للدولار في السودان.. الجنيه يواصل التراجع أمام العملات الأجنبية وسط أزمة اقتصادية خانقة
النورس نيوز

قفزة تاريخية للدولار في السودان.. الجنيه يواصل التراجع أمام العملات الأجنبية وسط أزمة اقتصادية خانقة
النورس نيوز – اقتصاد
يشهد السودان واحدة من أكثر الموجات تقلباً في أسعار الصرف منذ اندلاع الحرب، حيث سجّل الدولار الأمريكي اليوم الخميس 11 ديسمبر 2025م مستوى تاريخياً غير مسبوق في السوق الموازي، وسط حالة من الارتباك النقدي وتصاعد الضغوط على الجنيه السوداني. فقد قفز سعر الدولار إلى 3750 جنيهاً، بينما بلغ الريال السعودي 1000 جنيه، وارتفع الجنيه المصري إلى 78.781512 جنيهاً، في حين وصل الدرهم الإماراتي إلى 1021.798 جنيهاً، وهي أرقام تعكس اتجاهاً تصاعدياً حاداً ينذر بمزيد من التعقيدات الاقتصادية خلال الفترة المقبلة.
وتشير المعطيات المتداولة في سوق العملات إلى أن البلاد تشهد موجة عطش في النقد الأجنبي هي الأكبر منذ سنوات، إذ تتزامن الارتفاعات المتسارعة مع انكماش احتياطي المصارف من العملات الصعبة، وتزايد الاعتماد على السوق الموازي لتغطية احتياجات الواردات، الأمر الذي دفع التجار والمستوردين إلى رفع الطلب بصورة غير مسبوقة، ما أدى إلى تفاقم الفجوة بين السعر الرسمي والموازي.
ويؤكد متعاملون في سوق الصرف أن الحركة الشرائية ارتفعت بنسبة لافتة خلال اليومين الماضيين، مدفوعة بمخاوف من استمرار الانهيار، إضافة إلى انتشار تقديرات تشير إلى إمكانية بلوغ الدولار حاجز 4000 جنيه خلال الأسابيع المقبلة إذا استمرت الظروف الحالية دون تدخلات فعّالة. ويرى محللون أن هذه القفزات تمثل انعكاساً مباشراً للاضطرابات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تشهدها البلاد، الأمر الذي أضعف الثقة المحلية والدولية في الجنيه السوداني وساهم في تآكل قيمته.
تأثير الحرب على الاقتصاد
منذ أبريل 2023، دخل السودان في واحدة من أعقد المراحل الاقتصادية في تاريخه الحديث، حيث فقد الجنيه أكثر من خمسة أضعاف قيمته مقارنة بما كان عليه قبل اندلاع الحرب. وأسهمت المواجهات المسلحة في تدمير مراكز الإنتاج الحيوي، وتعطيل طرق الإمداد، وتراجع الصادرات الزراعية والذهب والنفط، إلى جانب نزوح ملايين السكان من المناطق الحضرية إلى أطراف البلاد أو خارجها، مما أدى إلى ضعف القدرة الشرائية للمواطنين وتآكل القوة الاستهلاكية للأسواق.
إضافة إلى ذلك، أثّر توسع اقتصاد الظل وتضخم عمليات المضاربة على العملة الأجنبية في زيادة الضغط على السوق، حيث أصبحت غالبية التحويلات تتم خارج القطاع المصرفي، في ظل عجز البنوك عن توفير النقد الأجنبي لعمليات الشراء الخارجية، ما خلق واقعاً اقتصادياً هشاً يتغذى على الاضطرابات ومستوى المخاطرة المرتفع.
توترات نقدية ومخاطر السياسات
وتضع هذه المستويات الحكومة والبنك المركزي أمام تحديات ضخمة تتعلق بإدارة السياسة النقدية، في ظل غياب الاستقرار السياسي وتشتت مراكز اتخاذ القرار. وقد فشلت حتى الآن مختلف المحاولات في احتواء الهبوط المتسارع للجنيه، خاصة في ظل ضعف التدفقات المالية القادمة من الصادرات أو التحويلات الخارجية، وتراجع قدرة القطاع المصرفي على استعادة ثقة الجمهور.
كما تواجه الأسواق مخاطر متزايدة على صعيد الأسعار، إذ يدفع ارتفاع الدولار إلى زيادة تكلفة الواردات، خصوصاً المواد الغذائية والدوائية والوقود، الأمر الذي ينذر بموجات جديدة من التضخم قد تتجاوز قدرة المستهلك على التحمل، في وقت ترتفع فيه معدلات البطالة ويزداد الضغط على الأسر.
توقعات 2026: سيناريوهات معقدة
بحسب تقديرات خبراء الاقتصاد، فإن عام 2026 مرشح ليكون عاماً مليئاً بالتقلبات، خصوصاً إذا استمر غياب الحلول السياسية وواصلت الحرب تعطيل النشاط الاقتصادي. ويرى محللون أن أي تحسن في قيمة الجنيه يحتاج إلى استقرار أمني، وعودة النشاط الإنتاجي، وإعادة بناء الثقة بالنظام المصرفي، إضافة إلى تدفقات خارجية منتظمة، سواء في شكل منح أو استثمارات أو قروض ميسّرة.
وفي المقابل، يعتقد آخرون أن استمرار الوضع على ما هو عليه قد يدفع السوق إلى الدخول في مرحلة “التعويم الفوضوي”، حيث تضعف قدرة الحكومة على التدخل أو السيطرة، بينما تتضخم دائرة المضاربات وتتوسع أنشطة السوق الموازي بشكل أكبر، مما يؤدي إلى فقدان العملة الوطنية لمزيد من قيمتها خلال فترة قصيرة.
أسعار العملات اليوم في البنوك
وفي الجانب الرسمي، استمرت البنوك التجارية في اعتماد أسعار أقل بكثير من السوق الموازي، سواء في التعاملات النقدية أو تحويلات العملاء، في ظل محاولات تهدف إلى الحفاظ على الاستقرار النسبي داخل النظام المصرفي، رغم الفجوة الكبيرة بين السعرين. وتكشف نشرات البنوك عن وجود تفاوت واضح في أسعار الشراء والبيع، إلا أنها تظل جميعها بعيدة عن مستويات السوق السوداء، التي باتت المرجع الرئيسي لحركة التجارة اليومية.
وتُظهر البيانات المحدثة من بنك الخرطوم، وبنك العمال الوطني، وبنك فيصل الإسلامي، وبنك أمدرمان الوطني، والبنوك الأخرى—ومن بينها البنك السوداني السعودي وبنك الجزيرة السوداني الأردني—أن الفجوة مع السوق الموازي لا تزال في اتساع مستمر، ما يشير إلى ضعف فعالية أدوات السياسة النقدية في تقليص الهوة بين العرض والطلب.
خلاصة المشهد
تؤكد التطورات المتسارعة في سوق العملات أن الاقتصاد السوداني يدخل مرحلة حساسة تتطلب حلولاً جذرية تتجاوز المعالجات المؤقتة. فاستقرار الجنيه مرهون بانفراج سياسي شامل، وإعادة تشغيل مؤسسات الدولة، وعودة الإنتاج، وإصلاحات اقتصادية حقيقية تعيد الثقة للمستثمرين والمستهلكين على حد سواء. وفي ظل استمرار الحرب وتعقّد الأوضاع، يبدو أن أسعار الصرف ستظل عرضة لمزيد من التقلبات الحادة خلال الفترة المقبلة.











