أخبارعالمي

عرض أميركي مثير للجدل أمام البرهان

النورس نيوز

عرض أميركي مثير للجدل أمام البرهان

النورس نيوز _

في خطوة تكشف عمق التحركات الدبلوماسية التي تجري خلف الكواليس لإنهاء الحرب السودانية المستمرة منذ أكثر من عام ونصف، أفاد مصدر دبلوماسي غربي رفيع المستوى بأن الولايات المتحدة قدمت عرضاً مباشراً إلى رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، يتضمن حزمة تنازلات سياسية واقتصادية واسعة، أبرزها رفع العقوبات المفروضة على السودان وفتح الباب أمام استثمارات أميركية ضخمة في قطاع التعدين. وأكد المصدر أن العرض لا يزال مطروحاً، لكنه مرتبط بتوصل الأطراف إلى اتفاق سلام يوقف النزاع العسكري ويعيد البلاد إلى مسار الاستقرار.

وأوضح الدبلوماسي أن العرض الأميركي جاء بعد سلسلة لقاءات جمعت البرهان بمستشار الرئيس الأميركي لشؤون أفريقيا والعالم العربي، مسعد بولس، حيث جرى اللقاء الأول في سويسرا، بينما تم اللقاء الثاني خلال زيارة رسمية للقاهرة شملت اجتماعاً مغلقاً بين البرهان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وبحسب ما تسرب من معلومات، فإن واشنطن عرضت أيضاً حوافز إضافية تتعلق بإعادة دمج السودان اقتصادياً في النظام المالي الدولي، ودعمه ببرامج إنعاش اقتصادي تحت إشراف البنك الدولي وصندوق النقد.

وأشار المصدر إلى أن النقطة الأكثر حساسية في الملف تتمثل في غياب التوافق العربي حول الوساطة، حيث تتباين مواقف بعض الدول المؤثرة في المنطقة بشأن مسار الحل السياسي، وهو ما انعكس سلباً على جهود واشنطن في دفع الأطراف نحو هدنة إنسانية. ورغم أن الولايات المتحدة أجرت مباحثات مطولة مع تلك الدول، فإن الانقسام الإقليمي لا يزال يمثل عقبة أمام أي تقدم ملموس، في وقت تتصاعد فيه المخاوف من تحول النزاع السوداني إلى حرب طويلة تستنزف الدولة وتعمّق الفوضى.

وفي اتجاه موازٍ، كشفت مصادر حكومية أن السودان أرسل وفداً رفيعاً إلى العاصمة الأميركية، برئاسة وزير الخارجية محي الدين سالم، لمناقشة مقترحات وصفت بأنها “صفقة سياسية محتملة” قد تغيّر شكل العلاقة بين الخرطوم وواشنطن. وبحسب ما نقلته قناة “الحرة”، فإن الوفد السوداني طرح ملفات حساسة خلال المباحثات، أبرزها مطالبة الولايات المتحدة بتصنيف قوات الدعم السريع كمنظمة إرهابية، مستنداً إلى حصار مدينة الفاشر وما جرى فيها من انتهاكات واسعة.

ويتضمن المقترح السوداني استخدام ملف الفاشر كورقة ضغط سياسية، باعتبار أن المدينة تحولت إلى مركز لأبشع الممارسات التي شهدتها الحرب، وأن المجتمع الدولي يمتلك من الوثائق ما يكفي لدعم قرار بحظر الدعم الخارجي للمليشيا. كما طلب الوفد السوداني من الإدارة الأميركية ممارسة ضغوط مباشرة على دولة الإمارات لوقف دعمها العسكري واللوجستي لقوات الدعم السريع، مؤكداً أن وقف هذا الدعم سيُحدث تحولاً جذرياً في موازين الحرب.

وفي المقابل، قدم الوفد السوداني عرضاً مثيراً للاهتمام لواشنطن، يقضي بوقف أي ترتيبات لإنشاء قاعدة بحرية روسية في بورتسودان، وهو الملف الذي يثير قلقاً كبيراً لدى الولايات المتحدة وحلفائها. وتعتقد واشنطن أن حصول روسيا على قاعدة بحرية في البحر الأحمر يمنحها نفوذاً استراتيجياً في واحد من أهم الممرات الملاحية في العالم، وهو ما يتعارض مع الترتيبات الأمنية الأميركية في المنطقة. ويؤكد مراقبون أن هذه الورقة تعد من أقوى أوراق التفاوض بيد السودان حالياً، ويمكن أن تشكل محوراً رئيسياً لأي اتفاق محتمل مع الولايات المتحدة.

وتأتي هذه التطورات في ظل قلق أميركي متزايد من تصاعد النفوذ الروسي في المنطقة، ليس فقط من خلال الاتفاقيات العسكرية، بل عبر التعاون في مجالات التعدين والذهب والتقنيات الدفاعية. وتشير التقارير إلى أن واشنطن تدرس مراجعة بعض الاتفاقيات الثنائية مع موسكو المتعلقة بالسودان، بما في ذلك اتفاقيات التدريب والتسليح، في حال تحقّق تقدّم في ملف وقف الحرب ووقف الدعم الخارجي لقوات الدعم السريع.

وتضيف قناة “الحرة” أن واشنطن تدرس أيضاً مقترحاً سودانياً بتشكيل حكومة كفاءات واسعة تعمل تحت حماية الجيش، دون أن تكون ذات طابع سياسي، وبمهام محدودة تشمل تحقيق الأمن الداخلي، وإدارة عمليات الإغاثة، وتنسيق جهود إعادة الإعمار، في محاولة لطمأنة المجتمع الدولي بأن السلطة التنفيذية ستكون مستقرة وغير خاضعة لأي صراعات سياسية أو مكونات حزبية. وتعتقد الخرطوم أن هذا النموذج قد يقنع الولايات المتحدة بأن البلاد تتجه نحو مرحلة انتقالية محسوبة، تحت رقابة مشددة، بعيداً عن الفوضى المتصاعدة.

ويرى محللون دوليون أن العرض الأميركي يعكس رغبة حقيقية لدى إدارة بايدن في منع توسع الحرب وتحوّلها إلى صراع إقليمي واسع، خاصة مع تزايد انخراط قوى خارجية في دعم أطراف النزاع. كما يشير إلى وجود حرص أميركي على ضمان أمن البحر الأحمر، باعتباره شرياناً أساسياً للتجارة العالمية وموطناً لمنافسة دولية محتدمة بين الولايات المتحدة وروسيا والصين. وتعتقد واشنطن أن وقف الحرب في السودان يتطلب معالجة جذور الأزمة، ومنع أي دعم خارجي يغذي المجموعات المسلحة.

ومع ذلك، فإن الطريق نحو اتفاق سلام شامل لا يزال مليئاً بالتعقيدات، خصوصاً في ظل الخلافات بين الجيش والدعم السريع حول ترتيبات الحكم ومستقبل القيادة العسكرية. كما أن الانقسامات الإقليمية تزيد المشهد تعقيداً، حيث تسعى كل دولة مؤثرة في الملف السوداني إلى حماية مصالحها الاستراتيجية، ما يجعل التوصل إلى اتفاق نهائي أمراً يحتاج إلى توافقات عميقة تتجاوز الحلول السطحية.

وبينما تواصل الأطراف الدولية تبادل الرسائل والمقترحات، يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً: هل يملك السودان الوقت الكافي لانتظار توافق دولي واسع، أم أن استمرار الحرب سيفرض وقائع جديدة تجعل الحل أكثر تعقيداً؟ وما إذا كان العرض الأميركي سيجد طريقه إلى التنفيذ، أم سيبقى ضمن الملفات المؤجلة التي تنتظر تغيرات ميدانية أو سياسية تعيد ترتيب الأطراف على الأرض؟ وبينما لا تزال الأجوبة معلقة، يتفق الجميع على أن السودان يقف اليوم على مفترق طرق حاسم، وأن أي خطوة غير محسوبة قد تدفع البلاد إلى مرحلة جديدة من الفوضى والانهيار.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى