إدارية أبيي تكشف تورط يونيسفا.. وملف المنطقة يخرج عن السيطرة
بقلم: هاجر سليمان
النورس نيوز
الأحداث التي تشهدها منطقة أبيي تكشف بوضوح أن الأمور لم تعد مجرد توترات عابرة، بل تحولات خطيرة في التوازنات الأمنية، تقف خلفها خروقات صريحة من قوات حفظ السلام «يونيسفا» التي يفترض أن تكون صمام الأمان في المنطقة، فإذا بها تتحول إلى جزء من الأزمة بدل أن تكون جزءاً من الحل.
رئيس إدارية أبيي، الدكتور سلومة موسى، خرج عن صمته وكشف التفاصيل كاملة. قال إن سبعة عشر موظفاً من الإدارية أعلنوا التمرد، من بينهم مدير إدارة التعليم، وإن الإدارية اتخذت إجراءات قانونية بحقهم وأوقفت مرتباتهم، ولا تزال خطوات المحاسبة مستمرة. لكن الأخطر لم يكن في التمرد نفسه، بل في عملية اختطاف اثنين من كبار الموظفين: المدير التنفيذي محمد بلال دوداو، والسكرتير التنفيذي للإشرافية أمبدي يحيى كباشي. العملية تمت نهاراً جهاراً، أمام أعين قوات يونيسفا التي من المفترض أنها مسؤولة عن حماية المدنيين والموظفين، لكنها لم تحرك ساكناً، وكأن الأمر لا يعنيها.
هذه الحادثة أجبرت الإدارية على سحب بقية الموظفين إلى جوبا والخرطوم بعد أن أصبحت أرواحهم مهددة. والسؤال هنا: هل يمكن تفسير ما جرى بأنه تقصير؟ أم أنه تواطؤ واضح؟
بحسب ما نراه وما يتضح من الوقائع، فإن ما حدث في أبيي ليس مجرد سوء تقدير أو خلل عملياتي، بل هو خرق متعمد للتفويض الأممي، تماماً كما فعلت «يوناميد» من قبل في دارفور حين كانت تتلاعب بميزان القوى وتدعم مجموعات مسلحة تحت ستار حفظ السلام.
قوات يونيسفا كررت السيناريو نفسه؛ سمحت لميليشيا الدعم السريع بالدخول والانتشار داخل أبيي، رغم أن الاتفاقية التي جاءت بها البعثة تنص بشكل قاطع على منع دخول أي قوة مسلحة للمنطقة. والادعاء بأن عناصر الدعم السريع دخلوا بزي مدني لا يعدو كونه محاولة لتغطية فشل واضح، أو تبرير تواطؤ أكبر من أن يُخفى. فالاختطاف تم تحت تهديد السلاح، والبعثة كانت حاضرة ولم تتدخل.
وبحسب المعلومات المتاحة الآن، فإن أبيي تضم عدداً من أخطر قادة الدعم السريع، ويجري ذلك بعلم يونيسفا التي ترفض توفير الحماية الكافية للمدنيين. هذا ليس فقط تقصيراً، بل مشاركة فعلية في تعريض الناس للخطر. وزاد الأمر سوءاً سماح يونيسفا لقوات جيش دولة جنوب السودان بالانتشار في المنطقة، رغم أن الاتفاقية تمنع وجود أي جيش تابع لأي طرف. وقد أكدت تقارير الأمين العام للأمم المتحدة للفترة من 16 أبريل وحتى الأول من أكتوبر 2025م صحة هذه الخروقات.
إدارية أبيي الآن تطالب بتحقيق إقليمي ودولي، وهي مطالبة مشروعة وضرورية، لأن البعثة خرقت التفويض، وأحدثت خللاً أمنياً كبيراً، وتسببت في اختطاف موظفين كانوا تحت مسؤوليتها. والمسؤولية لا يمكن إسقاطها بالصمت أو المبررات الضعيفة.
وبعيداً عن دور يونيسفا، فإن السؤال الذي يفرض نفسه: أين لجنة الإشراف السياسي والإداري على منطقة أبيي التي شكّلها رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان في 2023م برئاسة النائب مالك عقار؟ اللجنة لم تتحرك، ولم تصدر عنها أي خطوة جادة منذ تشكيلها. لماذا تجمد نشاطها؟ ولمصلحة من يُترك الملف مفتوحاً بهذا الشكل؟
إن أبيي اليوم تقف على مفترق طرق خطير، بين مسؤوليات دولية مُهملة، ومشهد أمني مضطرب، وتدخلات لا تُخفى على أحد. والسكوت على ما يحدث لن يزيد الأمور إلا تفجراً، ما لم تُفتح التحقيقات، ويُحاسب كل طرف أسهم في ترك المنطقة نهباً للانفلات.











