تهريب النحاس.. من يقود شبكة الاستفادة من تدمير البنية الكهربائية؟
بقلم.. هاجر سليمان
النورس نيوز _ على مدار أشهر من الفوضى والنهب في الخرطوم، لم يقتصر غرض الميليشيات على السطو على المنازل والمجوهرات والسيارات الفارهة؛ فقد تحوّل هدفها تدريجيًا إلى سرقة كوابل الكهرباء و”الأميات” لإخراج النحاس وبيعه. ما بدأ كعمل تخريبي تحوّل إلى تجارة منظمة تُغذيها شبكات تهريب ورابطات رسمية، فتطرح تساؤلات جوهرية عن المسؤولية ومن يقف خلف تصريف هذه الكميات الهائلة.
تفاصيل الحكاية:
تُحرق كوابلٌ وأميّاتٌ مسروقة في ساحات وأفنية منازلٍ ومخازن لتسهيل استخلاص النحاس، وهي طقوس متكررة في أحياء متفرقة. الكميات المسروقة تُقدّر بمئات آلاف الكيلومترات من الكوابل، ونتيجة ذلك دُمّر جزء كبير من البنية التحتية لقطاع الكهرباء، ما يجسّد ليس فقط تخريبًا تقنيًا بل إفقارًا ممنهجًا للدولة.
ضبطيات ومقاربات قانونية:
أحبط جهاز المخابرات بولاية نهر النيل مؤخراً محاولة تهريب ستة أطنان من النحاس، وهو ما يثير سؤالين أساسيين: كيف استطاع المهربون تجميع هذه الكميات الضخمة؟ ومن هم الشركاء التجاريون أو الرسميون الذين استقبلوا هذه الشحنات عبر المعابر؟ هل تقتصر القضية على مخالفات فردية أم نواجه شبكة متواطئة تربط مسلحين ومهرّبين ومستغلين من داخل مؤسسات الدولة؟
من التواطؤ إلى المحاسبة:
لا ينبغي النظر إلى ضبطيات النحاس على أنها مخالفات عابرة؛ فهي مؤشر على مخطط أوسع تقف وراءه جهات ربما تستفيد ماديًا من تدمير البنية التحتية. هؤلاء المهربون ليسوا مجرد منفذين، بل قد يكونون المحرضين الرئيسيين الذين يقودون عمليات الحرق والاستخلاص من أجل الربح السريع. لذلك، أصبحت الحاجة ملحّة لمراجعة سجلات وأسماء أصحاب الشحنات التي غادرت البلاد عبر المنافذ الرسمية والتحقيق في علاقاتهم وشبكات تعاملاتهم.
نداء للمسؤولين:
على الجهات القضائية والأمنية فتح تحقيق شفاف يشمل أصحاب الشحنات، الشركات الوسيطة، وبيانات تصدير النحاس عبر المعابر الرسمية. كما نطالب بإجراءات فنية ووقائية لإحكام حماية الكوابل والمعدات الكهربائية، وملاحقة المتورطين من كل مستويات السلسلة — من المجرّدين إلى المستفيدين النهائيين — كي لا تبقى تدمير البنية التحتية وسيلة للثراء الفاحش.
خاتمة:
ما جرى ويجري في مسألة سرقة النحاس ليس جريمة فصلية يمكن تجاهلها؛ بل هو جزء من لعبة اقتصادية وسياسية تتطلب موقفًا حازمًا ومحاسبة جذرية للحد من تدهور الخدمات العامة واستنزاف موارد الدولة. التحقيق الشفاف والمتابعة القضائية هما الطريق الوحيد لكشف المجرى الكامل لهذه الشبكات وإخماد مصدر تمويلها.











