
جدل واسع يهدد تطوير واحد من أكبر حقول الغاز في ليبيا
متابعات _ النورس نيوز _ تشهد ليبيا في هذه الفترة جدلًا واسعًا حول مستقبل واحد من أهم مشاريعها الإستراتيجية في مجال الطاقة، بعد أن برزت خلافات قانونية وتشريعية قد تعرقل تطوير حقل غاز الحمادة الواقع في امتياز (NC7) ضمن حوض غدامس، والذي تُقدَّر احتياطياته الغازية بأكثر من 2.7 إلى 3 تريليونات قدم مكعبة، إلى جانب نحو 800 مليون برميل من النفط.
القضية بدأت بعد أن خاطبت المؤسسة الوطنية للنفط رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، مقترحة إنشاء شركة جديدة تحت اسم “جليانه” تتولى تطوير الحقل بالتعاون مع تحالف يضم شركات عالمية كبرى، هي: إيني الإيطالية، توتال إنرجي الفرنسية، أدنوك الإماراتية، وشركة النفط التركية. الهدف من هذه الخطوة، بحسب المؤسسة، هو تسريع عمليات التطوير وتعويض التراجع الكبير في إنتاج الغاز، إلى جانب توفير بدائل محلية تغني عن استهلاك الوقود السائل المكلف لتوليد الكهرباء وتشغيل المصانع.
لكن هذا التحرك قوبل بمعارضة قوية من جهات رسمية، أبرزها وزارة النفط والغاز التي كانت قد اعترضت منذ عام 2023 على إشراك شركات أجنبية في تطوير الحقل. كما أن مجلس النواب الليبي أصدر قرارًا يمنع الدخول في تعاقدات جديدة أو تعديل القوائم المتعلقة بالثروات الطبيعية، في حين شدّد النائب العام على ضرورة إيقاف التفاوض بخصوص هذا الامتياز والاكتفاء بالتطوير الذاتي بقدرات وطنية.
وزير النفط السابق محمد عون علّق على الخطوة معتبرًا أنها “تجاوز قانوني”، وقال إن المؤسسة الوطنية للنفط لا تملك الحق في مخاطبة رئيس الحكومة مباشرة متجاوزة الوزير المختص. وأكد أن الدولة سبق أن خصصت 6 مليارات دينار ليبي (نحو 1.1 مليار دولار أميركي) لتطوير حقل الحمادة بالجهد الذاتي من خلال شركة الخليج العربي للنفط (أجوكو)، وبالتالي فإن دخول شركات أجنبية في المشروع قد يبدد فرص ليبيا في الاستفادة الكاملة من ثرواتها الوطنية.
عون أوضح أن الوزارة كانت قد رفعت سلسلة من المذكرات منذ مطلع 2023 إلى الجهات العليا، أوصت جميعها بضرورة تطوير الحقل محليًا، مشيرًا إلى أن لو تم تنفيذ هذه التوصيات حينها لكان الحقل في طور الإنتاج الآن، مما كان سيُجنّب البلاد أزمة نقص الوقود.
وبحسب خبراء النفط الليبيين، فإن تطوير الحقل ليس مجرد مشروع اقتصادي فحسب، بل يمثل ركيزة أساسية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز اللازم لتوليد الكهرباء، وتقليل الاعتماد على الديزل المستورد، وهو ما يعني توفير مئات الملايين من الدولارات سنويًا للخزانة العامة، إلى جانب فتح المجال لزيادة الإنتاج بغرض التصدير مستقبلًا.
المؤسسة الوطنية للنفط من جهتها، ربطت المشروع بأهمية الشراكة مع شركات عالمية لديها الخبرة والتقنيات اللازمة، مشيرة إلى أن تطوير الحقل سيستغرق وقتًا وجهودًا ضخمة، وقد لا تتمكن ليبيا من إنجازه وحدها في ظل الظروف الاقتصادية الحالية. غير أن هذه التبريرات لم تُقنع المعترضين الذين يرون أن الدخول في شراكات جديدة في هذه المرحلة قد يُفقد ليبيا سيادتها على أصول إستراتيجية بالغة الأهمية.
وبينما تتواصل هذه التجاذبات، يبقى مصير حقل غاز الحمادة معلقًا بين خيارين: إما المضي في الشراكة الدولية بما يسرّع وتيرة الإنتاج ويخفف العبء المالي، أو الالتزام بالقرارات السابقة والاكتفاء بالتطوير الذاتي بتمويل محلي. وفي كلتا الحالتين، يظل الملف مفتوحًا على احتمالات سياسية واقتصادية معقدة قد تحدد مستقبل قطاع الطاقة الليبي خلال السنوات المقبلة.











