قبل الخوض في تحليل و قراءة البيان الختامي لشوري المؤتمر الوطني التي إلتأمت يوم السبت 29مايو 2021 م ، وإنعقاد مؤتمرها في ظروف مختلفة ، و ظن من أصدروا قرار حل الحزب و مصادرة ممتلكاته و الإعتقال و التضييق علي قياداته ، أنهم قادرون علي مصادرة الفكر والإنتماء و نزعه من قلوب و عقول الناس .!
لكن .. قبل هذا لابد من الإشارة العاجلة لتصريحات المخبول المبذول لكل نقِيصة ..المسمي صلاح مناع ، الذي يمثل جهلاً مركباً و فساداً مخجلاً و خزياً يمشي علي قدمين ، إذ أنه يريد مدارة خيبته الطافحة ، و يمحو سوءاته وسيئاته المخبوءة والمفضوحة ، بتصريح ينفي فيه إنعقاد الشوري لإجتماعها يشتم الحزب الذي ظل هو متعاوناً مع أجهزته الأمنية ، و مصدراً رخيصاً لجهاز الامن المخابرات منذ العام 1992م ينقل معلومات حزبه و المعارضة انذاك ثم حركة مناوي التي إرتمي في حجرها حتي طرد منها مذلولاً متهماً في ذمته المالية.
تلك محاولة متسفلة لتضليل ما تبقي لهم من عضوية بأنهم يتابعون و واعون بما يجري، فالأجدر بالرجل الأخرق البائس الممتليء حقدً إجتماعياً ، أن ينظر إلي حاله و حال السلطة اليائسة التي يمثلها ، قبل أن يتطرق للإجتماع و البيان الذي نوقن أنه لم يقرأه جيداً و إن قرأه فلم و لن يفهم منه شيئاً ، فهو مثل الحمار يحمل أسفارا ، يدعي المعرفة بالسياسة و هي منه براء و هو العيي المتحامق ، وهو في العداوة مستوحش بشع متعطش لملء فجواته نفسه المعتمة كما الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث .. فبعض ما يطمئننا أن مثل هذا الجهلول الجبان مهما أصغي و ركز نظره وعبس وبسر لن يبصر و لن يعي فذلك مرتقاً صعباً عليه ، فليعش مذموماً مدحوراً مبهوتاً عند سفحه ملطخاً بقمامته و مكب نفاياته و قاذوراته .
لنعد للبيان الختامي لإجتماعات شوري الوطني ، فالبيان يلخص في مخبره و مظهره الرؤية الناضجة و البصيرة النافذة التي تميز بها حزب حكم البلاد ثلاثة عقود ، يستطيع بخبرته و معلوماته و قراءاته الإستشرافية وملامستته للواقع المعاش ، تقييم الأوضاع بموضوعية و إجتهاد و رجحان عقل ، لم يصدر البيان كما هو ظاهر من صياغته و إعداده عن روح مُبغِضة أو عداء سياسي طائش أعمي ، فهو وثيقة سياسية بالغة الأهمية في تقويمها وتقديرها ، متزنة في لغتها الهادئة الهادفة ، و كانت مشمولات البيان و سياقاتها متصلة برؤية سياسية نضجت مع الأيام تحفها تقديرات راعت المُلح من المواقف و الضروري من الاجتهاد و الجهد و الإصلاح .
البيان لم يغرق في وحل الماضي ، و لم يتوقف كثيراً في ما حدث منذ 11 أبريل 2019 رغم أهمية تفسير وتعريف ما حدث بها وبالطبع لم تغفل الشوري عن ذلك و لم تخطيء في التعريف ، إتجه البيان و صوب مباشرة نحو الراهن السياسي و تعقيداته و الوضع الأمني و مهدداته و الحال الإقتصادي إحباطاته و الواقع الإجتماعي و تفسخاته و البناء الدستوري و القانونية و إنزلاقاته و تصدعاته ، ثم تناول ما تتعرض له البلاد من مهددات خارجية و إختراقات خطيرة سلبت من البلاد إرادتها الوطنية و تغلغلت و تسللت حتي النخاع
بجانب القضية الدستورية الشائكة و التدليس الذي يتم فيها ، و هي من أهم القضايا التي وجدت نصيباً في البيان ، قضية المعتقلين السياسين من قيادات المؤتمر الوطني وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية ورئيس الحزب الذي غدر به بليل و رؤساء بعض الاحزا الأخري ، فهاتين المعضلتين كشفتا أن البلاد تعيش وضعاً دستورياً مختلاً لا يقبل به أحد في الداخل ، و تساور الشكوك حوله في الخارج خاصة الجدية في الإلتزام به ، فما يسمي بالوثيقة الدستورية وتزويرها و التلاعب بنصوصها لخدمة الأغراض السياسية هي أشد إخفاقات المرحلة الإنتقالية الحالية ، فجاءت معالجتها في مناقشات شوري الوطني واضحة ومحددة بنيت علي موقف الحزب الأصوب منذ توقيع الوثيقة الدستورية المعيبة و هو الرجوع إلي دستور 2005م المتوافق عليه أنذاك من قبل جميع القوي السياسية بلا إستثناء .
من الواضح أن المؤتمر الوطني إتسم وتعامل في تقييمه للأوضاع برمتها في البلاد بروح مسؤولية وطنية كبيرة يندر أن تجدها في حزب معارض ، فقد إرتضي التغيير كسنة ربانية نافذة ، و يستفرغ جهده الآن في العمل لترتيب أوضاعه و تهيئتها للمستقبل ، و حث جميع الفرقاء علي بلوغ صناديق الإقتراع عند نهاية الفترة الإنتقالية المعلنة و المتفق عليها بين شركاء هذه المرحلة ، فلم يدع إلي شطط أو مواجهة أو الإنجرار وراء الإستفزازات و الفتنة و التربص الشاخص ، داعياً عضويته أن تكون علي أهبة الإستعداد للإنتخابات المقبلة لتكون هي فقط الميدان الذي يجري فيه السجال السياسي و تؤخذ منه الشرعية الحقيقية و تتمايز عنده الاصطفافات المختلفة ، و يتراضي الجميع علي حكم الشعب و رأيه ، فعندئذ تحسم الأمور بالتفويض الإنتخابي و ليس سواه .
أما لماذا جاءت رؤية المؤتمر الوطني بهذ الإتساع و الشمول و الموضوعية و الوضوح ؟ و في هذا التوقيت ..؟ فالإجابة سهلة يسيرة ..
أولاً : أعضاء الشوري جلهم من ذوي الخبرة الطويلة بفنون الحكم و الإدارة ، و حملوا و لم يزل يحملون مشروعاً سياسياً وطنياً جباراً يقوم علي أفكار ذات مضمون قيمي أخلاقي و منهج متكامل في التعاطي مع قضايا البلاد و العباد ، و لابد للحزب و هيئة شوراه في إطار دورها و واجباتها أن تقول رأيها و تخاطب الحركة السياسية عامة وجماهيرها برؤية متقدمة بعد أن وصلت أوضاع البلاد إلي الحضيض ..
ثانياً : كشف البيان أو قُل هذه الوثيقة السياسية المهمة أن الحزب الذي ظن خصومه أنهم حلوه واجهزوه عليه ، يعيش معافي الجسد و بحيويته الكاملة و يمتلك ذخيرة وافرة من المعلومات و المتابعات الدقيقية للداخل السوداني و ما يجري خلال هذه الفترة الإنتقالية خاصة في الجهازين السيادي و التنفيذي ، و أنه قادر علي إنتاج رؤي و أفكار جديدة و يمثل معارضة ذات أبعاد متعددة و قدرة علي تحديد المسارات و المواقف و إجتراح المبادأة و المبادرة السياسية . و لهذا ظهر البيان كأنما عكف علي إعداد كل فقرة أو نقطة فيه ، مجموعة متخصصة أعدت ما عليها بإحكام مغلظ و تدقيق محكم .
غداً نواصل