كما ينبغي .. _( الأُم نِعمة.. النِعم لا تدوم) _ تسنيم عبد السيد
قد لا يعرف كثيرون أن فكرة عيد الأم في الوطن العربي كانت من إقتراح الصحفي المصري علي أمين مؤسس صحيفة أخبار اليوم، وما دفعه لذلك رسالة وجدها في بريد القراء بالصحيفة، تشكو فيها إحدى الأمهات من سوء معاملة أولادها ونكرانهم للجميل، وأنها قامت بتربيتهم بعد وفاة والدهم ورفضت الزواج، حتى تخرجوا من الجامعة، وتزوجوا، واستقل كلٌ منهم بحياته، ولم يعودوا يزورونها إلا على فترات متباعدة للغاية.
أثّرت تلك القصة على الكاتب الصحفي فخطّ مقالًا قال فيه ” لم لا نتفق على يوم من أيام السنة نُطلِق عليه يوم الأم، ونجعله عيدًا قوميًا فى بلادنا وبلاد الشرق، وفى هذا اليوم يُقدِم الأبناء لأمهاتهم الهدايا و يقولون لهم (شكرًا)، و نشجع الأطفال فى هذا اليوم أن يعامل كل منهم أمه كملكة فيمنعوها من العمل، ويتولون هم فى هذا اليوم كل أعمالها المنزلية بدلًا منها، لكن أي يوم من السنة نجعله عيدًا الأم؟”.
وبعد نشر المقال بجريدة الأخبار إختار القراء يوم 21 مارس ليكون عيدًا للأم، واحتفلت مصر بأول عيد أم فى 21 مارس سنة 1956م، ومن ثم خرجت الفكرة إلى البلاد العربية الأخرى، علمًا بأن كثير من دول العالم تحتفل بعيد الأم في تواريخ مختلفة، فالثابت أن الأم بكل مكان تستحق التوقف عندها وتبجيلها لأنها لم تكن يومًا ما امرأة عادية.
كما أن الإحتفاء بالأم يختلف بحسب الدول الثقافات، فهو ايضًا على الأصعدة الخاصة نجده يختلف من شخص لآخر، فمرور مثل هذا اليوم على من فقد أمه ليس كمن هو في حضنها، سواء كان فقدًا بالموت أو الغياب أو الغربة، وبالنسبة لمن ماتت أمه فهو مناسبة لإجترار ذكريات مؤلمة وحزينة لم تغِب عن البال لكنها تتجلى بوضوح في مثل هذه المناسبات ولا مجال للتغافل عنها.
ولأن النعم لا تدوم فقد رحلت أمي قبل أشهر قليلة وسبقها والدي، كل تلك الخسارات الفادحة و المؤلمة، تَعدّى أثرها الوجع وكسرة القلب، فما أشدّ وطأةُ الفراق وما أتعس من يعيشَه، بموت أمي إنهار جدار الحماية والحب، فأصبحت اليوم مُجبرة على مقابلة الدنيا بمواقفها الموحشة وجهًا لوجه دون حاجز، ففي كل المرات التي عبثت بي الاقدار كنت أختبئ في ظهر أمي وأطل على الدنيا بكل قوتي، وحينما يداهمني اليأس أحاربه بأمي، وفي كل المرات التي حالفني بها النجاح أتحاشى الدنيا وأهلها وأرى انعكاس فرحتي بعين أمي، وكل حب في حياتي أستصغره حينما أقارنه بحب أمي، وفي كل مرة أقف أمام إنجاز صنعته لا أتذكر أن أحد يستحق الذكر سوى أمي، وفي كل المرات التي إبتسمت لي الدنيا كان سببها دعاء أمي، والذي أحتاجه كثيرًا في أيامنا الكَدِرةِ هذه، لكن يبقى اليقين بقضاء الله وقدره والدعوات الصادقات بأن يحفظ الله الأمهات في كل مكان ويرزقهم الخير والرضا والحب.
رسالتي إلى الأبناء: لا تترددوا في ترجيح كفة أمهاتكم، في أي محاولة للتخيير بينهن وأي كائن آخر، لا زوجة ولا أهل ولا أصدقاء ولا أي بشر على وجه الارض يستحق أن يقوم مقام الأم أو حتى يتساوى معها في المكانة والتقديس، فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما أوصى بالأم ثلاثًا وبالأب مرة واحدة، كان ذلك مقصودًا أن حق امك عليك أولى من أبيك، وهذا في مقارنة مع الأب بقيمته وقامته فكيف ببقية البشر، وأذكر الأبناء بما قاله أبو الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضِع ذلك الباب أو إحفظه).
رسالة إلى من ماتت أمهاتهم: أوصيكم بالرضا بأقدار الله، فمن سِعة رحمته أنه ترك لنا مساحة للبِر والعطاء للآباء بعد رحيلهم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا مات إبن آدم إنقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولدٌ صالحٌ يدعو له).
ومما يستحق التذكير به أيضًا ما ورد في كتب العلماء وتناقله الدعاة في خُطَبِهم ومواعظِهم أن أحدهم ماتت أمه، فوقف على قبرها وقال ” يارب هذه أمي، قد أقبلت إليك وأنت أكرم الأكرمين، لو أقبلت علي وأنا أبنها لأكرمتها بكل ما أملك، وأنت الكريم الذي لا ترد السائلين فأحسن ضيافتها وأكرمها بالجنة” فرآها بعد ليلة في منامه تقول له ” يا بُني والله لقد أدخلني الله الجنة بغير حساب لأنه الكريم، ببركة دعوتك حين وقفت على قبري”.