عندما تولت المهندسة ولاء البوشي حقيبة وزارة الشباب والرياضة نصحناها أن تستنير بالخبراء، وتستهدي بأهل الدراية بالنشاط الرياضي، كي يعينوها على تحسس المشاكل التي تعاني منها الرياضة السودانية، ويمكنوها من تشخيص مواضع الخلل فيها، ويصفوا لها العلاج الناجع.
ترجلت البوشي بعد رحلةٍ قصيرةٍ لم تسعفها لتحقيق شيء، وخلفها يوسف آدم الضي، الذي ورث نشاطاً منهاراً، وبنياتٍ أساسيةً متهدمة، ونتائج متدهورة، واتحاداتٍ لا تمتلك الحد الأدنى من المقومات اللازمة لتسيير النشاط، ناهيك عن تطويره.
سيبدأ الضي عمله من ما دون الصفر، لأن حكومة العهد البائد لم تمنح الرياضة الاهتمام الذي تستحقه، بدليل أنها عجزت عن استكمال تشييد مدينة السودان الرياضية، التي بدأ العمل فيها عام 1990.
قبل يومين بادر الوزير بتفقد مجمع الاتحادات الرياضية، وصالة هاشم ضيف الله، ومركز الخرطوم الدولي لتطوير الكرة الطائرة.
نبدأ من حيث انتهت الزيارة لأن الوزير تفقّد مركزاً لم يعد له وجود على أرض الواقع، بعد أن أزاله الاتحاد الدولي للكرة الطائرة من قائمة المراكز الدولية التي تقع تحت إشرافه قبل ثلاثة أعوام من الآن.
إذا كان مسؤولو الوزارة لا يعلمون تلك الحقيقة فتلك مصيبةٌ، وإذا كانوا عالمين بها، وأخفوها عن الوزير فالمصيبة أعظم.
تم تشييد المركز في العام 1988، باتفاقيةٍ رباعيةٍ، أبرمت بين حكومة السودان ممثلة في وزارة الشباب والرياضة، والاتحاد الدولي للكرة الطائرة، واللجنة الأولمبية السودانية، والاتحاد السوداني للطائرة، وكان لسعادة اللواء مهندس كمال علي خير الله (الرئيس الأسبق للاتحاد السوداني للكرة الطائرة) رحمة الله عليه، دوراً مُقدّراً في تشييد المركز.
تولى الخبير الرياضي المرموق حسن محمد السيد الكوباني إدارة المركز، بعد أن أقنع الرئيس الأسبق للاتحاد الدولي للكرة الطائرة (روبن أكوستا) بإنشائه في الخرطوم، وأفلح في قيادته في عامه الأول لتحقيق المركز الأول بين كل المراكز الدولية في العالم أجمع، بإنجازٍ لم يتكرر، لأن الكوباني رحل بعده إلى البحرين متعاقداً مع اتحادها، وهناك أفلح في تحقيق الإنجاز نفسه، وتمكن من إحراز المركز الأول مع مركز المنامة الدولي لتطوير الكرة الطائرة مرتين متتاليتين.
بمرور السنوات وقع المركز ضحية الإهمال، فاضمحل نشاطه حتى تلاشى وألغي من قائمة المراكز المعتمدة لدى الاتحاد الدولي، وبقيت لافتته العتيقة لتحكي قصة إنجازٍ رياضيٍ لافت، لم نحافظ عليه، كعادتنا مع كل المؤسسات الناجحة، في بلادنا المنكوبة بالفساد وسوء الإدارة.
المراكز الدولية المعتمدة لدى الاتحاد الدولي للطائرة حالياً ثلاثة فقط، تقع في الأرجنتين وتايلاند وجمهورية الدومنيكان، ولا يوجد شيء اسمه مركز الخرطوم الدولي للكرة الطائرة حالياً.
أما مجمع الاتحادات الرياضية فقد صار خرابةً ينعق فيها البُوم، بمبانٍ متهدمة، وبنياتٍ أساسية متآكلة، وملاعب تشبه الخرابات، واتحادات تفتقر إلى المال اللازم لتطوير النشاط.
الحديث نفسه ينطبق على صالة هاشم ضيف الله، التي بُنيت في سبعينات القرن الماضي، ولم تشهد أي تطوير، بل أُهملت حتى سقط سقفها العتيق على اللاعبين في إحدى المباريات الدولية، بفضيحة تناقلتها وسائل الإعلام والفضائيات العالمية.
المثير للسخرية والوجع أن غالب المساحة الإضافية المخصصة للمركز وصالة هاشم ضيف الله تحولت إلى (صالة أفراح)، بادعاء أن ذلك يمثل استثماراً رياضياً للوزارة!
نتوقع من الوزير الضي أن يشكل (نقطة ضو) للرياضة السودانية، وأن يبدأ عمله بنهجٍ سليم، ويطلب من كل الاتحادات الرياضية أن تمده بتقارير أداء، تحوي رصداً دقيقاً لعدد اللاعبين والمدربين والحكام، والمسابقات التي تنظمها، والنتائج التي حققتها في مشاركاتها الخارجية الأخيرة، كي يتحسس معالم النشاط الذي يديره، ويحدد أولوياته، ولا يهدر أموال الوزارة (الشحيحة) على أي اتحاد لا يمتلك نشاطاً حقيقياً، وأرقاماً تؤهله لتشريف السودان في المحافل الخارجية.
قبل ذلك يجب على الوزير أن يراجع توليفة طاقمه المُساعد، كي لا يصطحبه لتفقد مركزٍ وهمي لم يعد له وجود، ولا يسمح لأجنبي بحضور اجتماعٍ رسميٍ للوزير، بادعاءٍ كاذبٍ، مفاده أن (سمسار اللاعبين) يعمل مستشاراً لوزير الشباب والرياضة المصري!