طالعت الخبر المُستفز الوارد في صحف اليوم ” إنشاء وزارة جديدة بالسودان لإستيعاب مسار الشمال”، لَعمري ما هذا الهُراء وهل نحن ” ناقصين” وزارات، ألا يكفي ( 26) وزيرًا اتحاديًا، ماذا يفعلون أساساً غير التنظير وقليل من العمل الذي لا أثر له على أرض الواقع، فصفوف الخبز أنهكت الأسر وبيئة المستشفيات السيئة فاقمت أوجاع المرضى وآلامهم، والطرق الرديئة أودت بحياة الآلاف دون أن ينتفض الوزير أو تُحرك وزارته ساكناً، ولا يكاد يخلو شارع من شوارع الخرطوم من ” حفرة” أو تشققات تعيق المرور، فلو كانت هناك وزارة مسؤولة وصيانة دورية لما تآكلت الطرق وأُهملت بهذه الصورة.
أتعجب كيف لقادة هذه الدولة أن يُفكروا في إدارتها بهذه الطريقة القاصرة، وكأن هذه البلد ” كيكة” أو قطعة أرض ورثوها عن آبائهم، يقسمونها كما يشاءون على من يشاءون، لا يُعقل أن تُدار الدولة بمثل هذه السياسات العقيمة التي تستنزف الأموال في مرتبات وحوافز للمسؤولين والوزراء واعضاء مجلس السيادة واعضاء مجلس الشركاء والمساعدين ومستشاري الرئيس، أين حق الشعب في هذا المال، الذي يُفترض أن يُستغل في مشروعات إنتاج وعمل جاد يعود عليه بالنفع ويسهم في النهوض بهذا البلد الزاخر بالخيرات، والذي يستحق أن يعمل أبناؤه لأجله مرة واحدة ويُنَحوا مصالحهم الخاصة جانباً.
على السادة قادة السودان أن ينتبهوا إلى أن بناء الدولة والاقتصاد القوي لا يتم بمثل هذه الترضيات التي تستنزف خزانة الدولة، وهؤلاء المسؤولون الكُثُر يجب أن يُدركوا أن البناء يتطلب تنازلات، وعليهم أن يكونوا على قدر المسؤولية، ويعملوا جميعاً لانتشال الاقتصاد من وحلِه وينهضوا به، وذلك بالعمل الجاد ومتابعة تنفيذ البرامج والسياسات، ويبدأوا بمشروعات الإنتاج الزراعية والحيوانية، وإنشاء مصانع متخصصة بغرض إعداد المنتجات للتصدير، وان يتوقف السودان عن تصدير ” الخام” في كل المجالات، وعليهم أن يستوعبوا أن موارد هذا البلد يجب أن تُستخرج وتُستغل ويتمتع بها أبناؤه، فمحاربة الفقر تبدأ بالتنمية.
نمتلك نهر النيل ثاني أطول نهر في العالم، ويُعاني أهلنا في كثير من المناطق من العطش ونقص الماء، و لا تُستغل هذه الموارد المائية في إنتاج الكهرباء، فينقطع التيار الكهربائي بالساعات الطوال، وبعض الأماكن بالسودان مازالت مظلمة ولم تصلها الكهرباء ونحن في القرن الواحد والعشرين في بلد تفوق مساحته المليون ميل، هذه المعاناة وكبد العيش الذي يعيشه السودانيون لا يستحقونه، والسبب فيه هو الحكومات والإدارات الفاشلة.
ففي أثناء وجودي بالمملكة العربية السعودية مثلًا لم يحدث أن انقطع التيار الكهربائي، على الرغم من ان المملكة تعتمد على الوقود في توليد الكهرباء عبر محطات توليد تعمل على مدار الساعة تغطي كل المناطق، فلا يملكون نهر نيل ولا خزانات وسدوداً للاعتماد عليها في الكهرباء، لكنهم بتقديري يمتلكون الاهم من تلك المُقومات والموارد الضخمة، يملكون إرادة وهمة عالية عقلاً منشغلاً بالعمل من أجل نهضة البلاد وتقدمها.
ما يدعو للاسف فعلاً ان الحال والعقلية الحاكمة لم يتغيروا بعد نجاح الثورة، ومازال الفشل مستمراً، حتى أن حماس التغيير والتفاؤل بوطن جديد قد قلّ في النفوس وكاد ينطفئ، ويبدو أننا سننتظر طويلاً حتى يأتينا ” مهاتير محمد” السوداني المُنقذ الذي يضع الأمور في نصابها ويبدأ النهضة والتعمير.