علي كل _ الولايات.. حتي لاتشتعل الحرائق !! _ محمد عبدالقادر
ما ان دخلت المظاهرات التي انهت نظام الانقاذ يومها الثالث بلا انقطاع حتي جمع الفريق صلاح قوش مدير المخابرات حينها الاعلاميين في لقاء اعلن خلاله ان من يقودون الحراك في احتجاجات الدمازين وعطبرة وبورتسودان عناصر تنتمي لحركة عبد الواحد وتكوينات الحزب الشيوعي، ثم مضي قوش للقول بوجود علاقة بين اسرائيل ومنظمي الاحتجاجات.
كان حديث قوش حينها محاولة للتقليل من حراك الولايات وتبخيس المظاهرات المطلبية المرتبطة باسباب موضوعية حملت الناس الي الشوارع بعد نفاد صبرهم حينها مع تفاقم ازمات الوقود والخبز والكاش..
كان راينا ان البحث في جذور الازمة وحلها اجدي من محاولة ايجاد شماعة لتعليق الفشل العام للدولة في ذلك الوقت ، وان الاقدام علي حلحلة المشكلات وانهاء الازمات افضل من استغلال الظرف الخانق لتجريم بعض القوي المعارضة وتصفية الحسابات السياسية واعمال سياسة الكبت والملاحقات والاعتقالات.
التاريخ يعيد نفسه اليوم ، مدن الولايات تخرج في مظاهرات ذات صلة باسباب مرتبطة باحتياجات المواطنين للغاز والخبز والوقود واحتجاجاتهم علي الغلاء الفاحش الذي ضرب الاسواق واحدث واقعا مازوما لا ينكره احد.
للاسف مضي الاخوة في الحكومة للقراءة من ذات الكتاب الذي فتحه قوش امام الاعلاميين قبل سقوط الانقاذ ، وقبل البحث في الاسباب الحقيقية للحراك هاهي حكومة الثورة تستخدم ذات الروشتة الانقاذية لاستغلال الاحتجاجات في الانقضاض علي الخصوم مع اغفال المعالجات المطلوبة .
الحرائق التي اندلعت في الولايات تستدعي ان يقدم كل من تورط فيها الي محاكمة رادعة ، ولكن الاجراءات وتسخين الخصم المنافس في الملعب السياسي يتبغي ان لا تصرف الحكومة عن تامين اوضاع المواطنين وسد كافة الثغرات التي يمكن ان ينفذ منها المعارضون لتحقيق اجنداتهم ضد حكومة الفترة الانتقالية.
الولايات تستقر بتوفير الخدمات وتجويد الاداء التنفيذي وانهاء ازمات الوقود والخبز والغاز ومكافحة الارتفاع المستمر في الاسعار ، ومراجعة الزيادات المخيفة في الكهرباء والسلع المهمة مثل السكر والدقيق والزيوت، الاجراءات في مواجهة الخصوم السياسيين من شانها صرف الحكومة عن المعالجات المطلوبة، وهدر وقت تحتاجه لتصفير عداد الازمات.
حينما شبت الحرائق في دور المؤتمر الوطني بالولايات قبل ان تطيح بحكمه الثورة الشعبية، كان قادته يتهمون الخصوم متجاهلين ان هنالك اسباب حقيقية للتظاهرات، الحرائق مستهجنة والتخريب مرفوض وينبغي ان يحاكم كل من يقترف مثل هذه الجرائم، غير ان دراسة جذور العنف والتظاهر تمهيدا لايجاد الحلول يظل امرا مطلوبا.
كتبنا للوطني يومها ان (الحريق لم يكن محصلة حسابية تقدر حجم خسائر ما أضرمه المحتجون من نيران في أثات ومكاتب ومباني المؤتمر الوطني، وإنما كانت الطامة الكبرى في انهيار واحتراق المعاني التي ربطت وجدان الشعب السوداني بمسيرة حزب أمضى ثلاثين عاماً دون أن تعينه السلطة والثروة على تحصين دوره بالعدل، كنت اتحسر على ممارسة سياسية لم تسعف الوطني لتأمين تجربته ببرامج تضمن له البقاء رسالياً ومثالياً وعزيزاً في وجدان الناس، وإن غابت شمس دولته).
الشعب السوداني يتسم بدرجة من الوعي تعينه علي التمحيص بين الصالح والطالح، لا يطمح في اكثر من صحة وتعليم وجرعة ماء نظيفة ولقمة عيش كريمة، حصنوا الولايات بالعدل ومحاصرة الازمات واقتربوا من قضايا الناس ، ركزوا علي توفير الغاز والخبز والوقود وامنوا خدمات الكهرباء والمياه وخفضوا اسعار السلع فذلك اسهل واجدي وانفع للناس، حينها لن تشتعل الحرائق.
صحيفة اليوم التالي