ذات المشهد بل أسوأ مما كانت عليه الأوضاع قبل سقوط النظام البائد بأيام قليلة يتكرر الآن في سيناريو أكثر فظاعة وقسوة علي المواطن الذي ثار في وجه البشير قبل أكثر من عامين بسبب الغلاء الفاحش الذي عم الأسواق والارتفاع الجنوني لأسعار السلع الضرورية.
المواطن المطحون لا يهمه من يحكم ولا باي توجه فكري بقدر ما يأمل في من يوفر له الحياة الكريمة بأقل رهق. ومن يفعل ذلك لا محالة سيجد الدعم والسند منه. لكن لن يدعم المواطن اي حاكم يحيل حياته الى جحيم ناتج عن فشل ذريع لحكومة الثورة التي حمل شبابها الغض رئيس مجلس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك على اكتافه لكرسي الحكم ظاناً أنه المنقذ.
سقط البشير ونظامه الذي ظل حاكماً لمدة ثلاثين عاماً متحصنا بقوته وبطشه الذي كانت تمارسه أجهزته الأمنية وتمكينه لمنسوبيه في جميع مفاصل الدولة، ومع ذلك ذهب غير مأسوفٍ عليه حلماً في حياة هانئة وآمنة، لكن كل ذلك لم يحدث ولن يحدث طالما أن حكومتنا التي جئنا بها بعد مخاض عسير وثمن ودماء طاهرة سفكت تعيش في ابراج عاجية وعمارات سوامق مفصولة عن المواطن وحاله ومحتاله. وهو ذات ما كان يحدث في عهد النظام البائد.
قلنا وكتبنا قبل إعلان اقتلاع نظام الإنقاذ والتحفظ على رأسه مثلما أعلن وزير الدفاع حينها الفريق أول عوض بن عوف، قلنا ان البشير سقط عندما هتف ثوار بري امام القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة (بري جات يا وداد). فهذا الهتاف عني حينها أن البشير سقط أخلاقياً في وجدان الشعب السوداني، ونقولها الآن ان حمدوك والبرهان وكل الطاقم الحاكم قد سقط أخلاقياً في وجدان الشعب السوداني الذي خرج في مسيرات هادرة وعنيفة اشعل خلالها النيران في منشآت الدولة وقام باتلاف سياراتها حتى وان كان من خرج من جماهير يمثلون فلول النظام البائد، فذلك يعني ان الحكومة بالفعل قد سقطت (تب) لأنها لم تنفذ شعارات ثورة ديسمبر المجيدة ببل الكيزان كما كان يهتف الثوار في كل مكان.
وسقطت تب نقولها الآن لا لأن بعض المواطنين جاعوا واضطروا الى نهب بعض المحلات التجارية وحمل ما سهل عليهم من مواد غذائية لا نقود دلالة على أنهم لم يسرقوا سوى من أجل سد رمقهم بعدما استعصى على أولياء أمورهم توفير أبسط مقومات حياتهم. والأخطر والمفجع حقاً عندما يصل بنا الحال لأن تقول امرأة حرة تعمل وتكدح ليل نهار من أجل توفير قوة عيالها في صمود تحسد عليه امام وجه بنتها التي دخلت الجامعة لتوها بعد كفاح مرير لامها، حيث قالت هذه الأم لبنتها دون أن تشعر بخطوة ما قالته لها (تاني يابتي إلا ابيع شرفي عشان اجيب ليك احتياجاتك)، قالتها الأم ليس عن قصد ولكن لمرارة ما تعانيه من ألم وهي تعمل ليل نهار من أجل توفير اللقمة الحلال لبنتها واخوانها.
تخيل أن تقول امرأة مثل هذا الحديث لبنتها. الا يوضح ذلك الحال الذي وصلنا إليه من مسغبة وحاجة، هذه الأمة نعرفها صامدة وقوية لكن غلبتها الحيلة، حيث لا تستطيع مجاراة غول السوق الذي كل يوم هو في شأن ويخلف ضحايا جددا من تسرب تلاميذ وتفكك أسر لا تجد من يعولها ويساندها في ظل هذه الأوضاع البئيسة التي لم تشهدها البلاد عبر تاريخها الطويل إلا عبر مجاعة سنة ستة التي روتها لنا كتب التاريخ. وحتي تلك المجاعة لم تحدث نتاج فشل الحكام حينها بقد رما أنها كانت نتاج فشل الموسم الزراعي جراء ضعف مستوى الأمطار.
نقول سقطت تب وان ظل حمدوك وحكومته الجديدة والبرهان في قصره الجمهوري قابعين، لكن بمعيار المنطق وما تواجهه الأسر السودانية، فقطع شك أن الحكومة سقطت تب ولم يتبق لإعلان ذلك إلا القليل.
نشفق على قادة حركات الكفاح المسلح الذين أدوا القسم امام البرهان وحمدوك سواء كانوا أعضاءً في مجلس السيادة أو وزراءً في حكومة السلام، لأن الوقت لن يسعفهم (للتوهط) قليلاً في كراسي الحكم دعك من تنفيذ رؤاهم وبرامجهم التي يحلمون بها، لأن صبر الشعب نفد وليس في مقدوره المزيد من الصبر، لذلك نتوقع أن تكون الثورة القادمة أكثر شراسة ودموية في ظل حالة الهشاشة التي تعيشها البلاد والله يكضب الشينة.