النسخة الثانية للحكومة الانتقالية تختلف عن النسخة الأولى.. ليس اختلاف أسماء، فمن إحدى المحن السودانية هي أن التركيز على أسماء الوزراء يشغل الناس والإعلام عن البرامج والمشاريع التي يحملونها لإصلاح حال الناس والبلد..وبغض النظر عن أسماء الوزراء، فما يُميِّز النسخة الثانية للحكومة الانتقالية – عن النسخة المحلولة – هو حديث رئيس الوزراء، يوم الإعلان عن تشكيل حكومته، عما أسماه بالبرنامج الخماسي المتوافق عليه..!!
:: وكما تعلمون، وكأنها تفاجأت بالثورة، ثم تفاجأت بسقوط نظام البشير، وتفاجأت بنفسها حاضنة سياسية، لقد تم تشكيل حكومة قوى الحُرية (بلا برنامج).. ولأنها حكومة بلا برنامج، عَجزت عن تقديم الحلول للكثير من الأزمات المُتوارثة، بما فيها الأزمة الاقتصادية.. والأدهى والأمر، أن قوى الحرية لم تعجز فقط عن إعداد برنامج بحيث يكون حلولاً للأزمات، بل كانت ترفُض حلول حكومتها أيضاً، وذلك بالتدخُّل السافر في برامج الجهاز التنفيذي..!!
:: وعلى سبيل المثال، رغم مَحَاسن حياد السودان بالوقوف على مسافَة واحدة من كل دول العالم بما فيها إسرائيل، ورغم مَحَاسن ترشيد الدعم بحيث يذهب لمن يستحقه فقط، ورغم مَحَاسن سلام السودان الموقع عليه بجوبا، والذي يساهم في إيقاف الحرب، رغم كل هذا، فإن قِوى الحرية ظلت ترفض حياد السودان وسلام السودان وترشيد الدعم.. وهذا يعني أن الحاضنة السياسية للحكومة المحلولة لم يكن لها من البرامج غير برنامج (ترفض بس)..!!
:: المهم، لم يفصح حمدوك عن تفاصيل البرنامج الخماسي، ولكن تحدث عن خمس قضايا تم التوافق عليها كإطار عام للبرنامج، وهي قضية الاقتصاد، استحقاقات سلام جوبا مع الانتقال للمرحلة الثانية من السلام مع عبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور، والعلاقات الخارجية المتوازنة بالوقوف على مسافة واحدة من كل دول العالم، تحقيق العدالة الشاملة والانتقالية، ثم إصلاح مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية..!!
:: وما يُحمد للبرنامج الاقتصادي لحكومة الشركاء هو حديث رئيس الوزراء ووزير المالية عن الاقتصاد الحر والاستثمار والإنتاج، وليس (الشحدة).. فالتردي الراهن الذي قادنا إليه خبير قوى الحُرية – إبراهيم البدوي – كان متوقعاً بعد رهانه في ميزانية الدولة على (المِنح والهبات)، ثم تفاجأ بعودة حكومته من مؤتمر المانحين بالوعود والكلام المعسول والدعوات الطيبات.. لم يُراهن البدوي على الإنتاج، ولم يتحدث يوماً عن الاستثمار..!!
:: وكأن ما عليه ما كان حال الاقتصاد قبل الثورة لا يكفي تضخماً، قادت سياسة البدوي، الحكومة إلى (الفخ الأكبر)، وهو زيادة رواتب العاملين بنسبة (569%).. وغير البدوي لا يعلم أحدٌ ما هي معايير هذه الزيادة؟، وأين ومتى وكيف تمت الدراسة؟، وما هي مواردها؟..قرر البدوي الزيادة وحده، لأن الحاضنة السياسية لحكومته لم تكن تملك من خطط البناء و التنمية غير تنمية الخلافات و بناء المتاريس..!!
:: وعلى الحاضنة السياسية الجديدة – مجلس الشركاء – أن تتعلم وتتعظ من أخطاء الحاضنة الفانية (قوى الحُرية).. فالحاضنة الفانية – وحكومتها – كانت تضج بالنشطاء، وهكذا وصفهم رئيس الوزراء الإثيوبي في ذات سجال.. وقد يكون المسؤول مُخلصاً وصادقاً وراغباً في تغيير حال البلد نحو الأفضل، ولكن يجب أن يتعلم صفات القيادة، ليصبح (رجل دولة)، ومن أهم الصفات ألا يكون مُهرِّجاً.. فابعدوا التهريج عن حكومتكم وحاضنتها السياسية..!!
Tahersati@hotmil.com