شقيق الشاعر المختفي أباذر الغفاري يقلب دفتر الذكريات الحزينة بين (ضجة الشوق والهواجس)
كان يميل لحزب البعث العراقي
تأثر بالصحابي الجليل أباذر الغفاري
عاني من تشوه خلقي في يده اليمني ورغمها كان خطاطاً بارعاً
والدته مثقفة درست بالإرسالية الأمريكية
تغني بأشعاره مصطفى سيد أحمد وأبو عركي البخيت
جلست إليه: محاسن أحمد عبد الله
أثار غياب واختفاء الصحفي والشاعر المخضرم أباذر الغفاري الذي الذي كان بتأريخ ١٩٨٩/١٠/٩ كثير من التساؤلات التي ما زالت تبحث عن إجابة شافية برغم من سنوات الاختفاء الطويلة.
هو لم يكن في شخصية عادية بل كانت شخصية مؤثرة ومستنيرة ومثقفة تتناول كل شئ من حولها بعمق كبير.
كان شاعر متميز صاغ أجمل الأشعار، ذاع منها (في عيونك) التي تغني بها الراحل مصطفي سيد احمد، وله أعمال أخرى تغنى بها الفنان أبوعركي البخيت.
امتاز أباذر كذلك بالإبداع والبراعة، ومزج ذلك بالهدوء والذكاء، ومسحة كبيرة من الإنسانية، بجانب حمله للهم الوطني، وقضايا المواطن.
لمعرفة المزيد عن لغز الاختفاء المحير الذي ما زال تأثيره باقياً في نفوس أسرته ومحبيه ومعارفه كان لا بدَّ من أن نقلب دفاتر ذكريات ذلك الرجل منذ النشأة ومراحل حياته المختلفة حتي تاريخ الاختفاء وما حدث بعد ذلك.
لمعرفة كل ذلك حرصنا علي الجلوس مع شقيقه الأكبر الأستاذ محمد عبدالله الحسن الذي زرناه في منزله بمنطقة شرق النيل بالفيحاء.
وجدناه رجل نحيل طويل القامة هادئ الملامح رغم الحزن الذي سكن ملامح وجهه لسنوات إلا أنه كان متماسكا وأكثر وقارا ، نبرات صوته قوية ومميزة، مثقف مطلع يتمتع بملكة شعرية كان نتاجها عدد من القصائد.
قابلنا بحفاوة وكرم الأستاذ محمد عبدالله الحسن وابتدر حديثه معي بصوت هادئ :(مازال اختفاء شقيقي الأصغر أباذر يوم ١٩٨٩/١٠/٩ لغز محير للجميع ،حيث تم اعتقاله بعد اليوم الأول لانقلاب الإنقاذ وافرج عنه اليوم الثاني، في احدي الايام جاء منْ يُسمى عادل لمنزل الأسرة بمنطقة الحاج يوسف يسأل عنه وكان غير موجود قابل الوالدة وعندما عاد أباذر أخبرته الوالدة بان شخص جاء يسأل عنه فما كان منه إلا أن كر راجعاً وبسرعة ولم يعد للمنزل ولم نراه منذ تلك اللحظة، أقولها للأمانة والتاريخ أن شقيقي لم تعتقله قوة أمنية من أمام المنزل كما يردد الكثيرين فقد خرج لوحده ولم يثبت اي شخص حتي الان ان شقيقي قد تم اعتقاله وهذا للعلم، بعدها قام شقيقي الاصغر بفتح بلاغ باختفاءه وكالعادة في ذلك الزمن لم يؤبه به وسعينا كثيرا بكل الطرق والوسائل في البحث عنه ولكن دون جدوي.
لم يكن أباذر حزبياً ولكنه يميل لحزب البعث العراقى وكان يسكن في الحاج يوسف مع الوالدة سكينة محمد عثمان حاج التوم وهي نفسها امرأة مثقفة درست في الارسالية الأمريكية وهي شقيقة وزير التربية والتعليم الأسبق حين كانت وزارة واحدة أيام سوار الذهب بروف بشير حاج التوم ، رفضت السكن مع جدنا فى الختميه ،وجميع إخوانها أساتذة وهم عثمان محمد عثمان حاج التوم وبروف سيداحمد حاج التوم عالم الرياضيات وبروفيسور بشير حاج التوم.
تأثره بالصحابي الجليل أباذر الغفاري
موضحا(كان شقيقي أباذر متأثر جدا بالصحابي الجليل الأسر الغفاري بان يعيش وحيدا ويموت وحيدا وكان دائما ما يقول انه مستاء من الوضع في البلد وانه سيخرج منها وكان عنيد جدا ودائما مايقول (البلد دي حاطلع منها الجن الاحمر ماحيعرف لي طريق الي أن ترسو البلد دي علي حق) .
البعض قال انهم شاهدوها في مصر وبعضهم قال في العراق حتي الفنان محمد وردي (رحمة الله عليه) قال ان أباذر موجود حي يرزق ولن يظهر الآن.
في احدي المرات وقبل سنوات طويلة كنت أشاهد في برنامج (صحة وعافية) وكانت الحلقة مخصصة لطرق معالجة الايدي التي تعاني من مشكلات خلقية كان يعرضها طبيب مصري ومن ضمن المعالجات شاهدت يد شقيقي أباذر وهو يعاني من قصر في اليد اليمني وبها اصبعان واليسري فيها ثلاثة اصابع ، حاولت الاتصال بمقدم البرنامج لمعرفة مزيد من التفاصيل عن الطبيب والحالات التي تم عرضها لكنني فشلت.
الشاعر الغنائي
مواصلا: (تميزه في كتابة الشعر جعلت عدد من الفنان يتغنون له فغنى له قبل الفنان الراحل مصطفى سيد احمد الفنان إبوعركى البخيت (آخر المشوار والطين والتذكار) وسلمه آخر أغنية القادوس وغنى له مصطفى (كلمة منك وعوافى)وعنده أغانٍ لُحنت بالعود لم تظهر،كما لديه قصيدة بعنوان (عوافي) وكان خائفا عليها وقتها فسلمني لها في العام ١٩٨٨ ولديه عدد من القصائد إذا خرجت اليوم ستقلب البلد .
الصحفي والاستاذ
مبينا(كان أباذر يحرر الملحق الثقافى فى جريدة الإسبوع ثم استقال وحرر الملحق فى السياسة،كما كان يعلم الشباب فى عزة للثقافة بالحاج يوسف وأقام معهد للتقوية ودرس كثيرين مجاناً وكان يدرس اللاتينية والعربية والإنجليزية.)
تحدي الاعاقة وجمال الخط
اختتم استاذ محمد عبدالله حديثه: (لم تقف الاعاقة عائقا في سبيل تحقيق مايرنو اليه أباذر وذلك انه رغم أنّ يده اليمنى فيها أصبعان وقصيرة والأخرى ثلاثة أصابع الا انه كان يكتب باليسرى وخطه مذهل وكان من الأوائل فى الدراسة ولعب البلى والكرة ومحبوب عند الجميع،بعد اختفاءه توفي الوالد ولحقت به الوالدة ومازال حزننا علي فراقه باقيا ندعو المولي عز وجل إذا كان حي أن يجمعنا به ليضمد جراح فراقه من قلوبنا ويعيش بيننا).
ادناه القصيدة المؤثرة التي صاغها الأستاذ محمد عبدالله الحسن بعد اختفاء شقيقه أباذر شوقا لعودته.
إلى أخي الأصغر
أبى ذر الغفارى
رسالة وجد
إختلط
الحابل بالنابل
ونازعنا
فيك الإحساس
لا هدف لنا
لا ظل لنا
ووهج الشمس
لا يحده مقياس
وسيرتك بالألوان
على كل لسان
يسهر
جراها الناس
وتتابعت
الإرهاصات
وقلوبنا
عراها الوسواس
كنت
يا غفارى مرجواً
وكانت الآمال
عريضه
بلا توقيت
إختفيت
لا رأيت نفلاً
ولا فريضه
وأنهيتنا
يلفنا ذهول
نكابد أياماً
مريضه
ولا حول لنا
ولا قوة
وتسوسنا عقول
مهيضه
كيف أنت
أين كنت
أعماقنا تنهال
صبابة إليك
لا يمر يوم
إلا وذكراك
تفوح
ونتكالب عليك
متى تتفتح
الحقيقة
فتتلقف
راحاتنا يديك
وتنهار الحصون
ونراك
كل ما
اشتهيته لديك
عسى ولعل
يطول العمر
وتتحقق
أمانينا برؤياك
ويشع بريقك
فيملأ أرضنا
بلحاً وعنباً
من سناك
وتتقاذفنا
الأفراح
وتتراقص الحياة
مع غناك
ويعود التأريخ
لأول مرة
ويبدأ من جديد
فى حراك