كما ينبغي.. _ “جاتك كفاءات يا وطن” _ تسنيم عبد السيد
ليت ما يحدث في السودان اليوم خيالاً وليس واقعاً، لأنه لا يُعقل أن تكون هذه ثمار أعظم ثورة في تاريخ البلاد، تلك الانتفاضة الشعبية الفريدة التي مُهرت بالدماء الغالية، وانطوّت على إثرها حقبة سوداء كنا نأمل أن لا تتكرر علينا مرةً أخرى.
لكن للأسف ما يعانيه الشعب السوداني اليوم، من أزمات اقتصادية وسوء إدارة، وفشل في حسم كثير من الملفات أشبه بتلك الأيام المُظلمة البائدة.
لو لم يقُم الشعب بالثورة لكان هذا التردي “مبلوعًا”، لكن كيف نقبل أن يكون هذا حصاد غرسنا، وكيف لنا أن نواصل في التبرير لحكومتنا المُبجلة أمام المُبخسين و”الكيزان” الشامتين، فمنذ سقوط البشير في أبريل 2019م ونحن نُبرر التلكؤ والفشل ونلتمس العذر، ونتناقش عن حال البلد البائس بأمل عريض، ونحاول إقناع الآخر بما ستفعله حكومة الثورة من تحقيق لتطلعات الشعب بحياة رغدة وعيش كريم في أقل وقت ممكن، وكيف سينقلب حال السودان راساً على عقِب، لكن للأسف كانت أحلامنا أكبر وخيالاتنا أوسع، ويبدو أن حكومتنا أقل وأهون من تحمُّل مسؤولية ضمان وتوفير الحد الأدنى من احتياجات الشعب الأساسية ناهيك عن الرفاه.
لا أرى فرقاً في الواقع بين هذه الحكومة وتلك، فأكثر ما كان يؤرق الناس من حكومة البشير الفساد وكثرة المحاصصات، وهذه الحكومة ما شاء الله “شغّالة” محاصصات على مستوى، أتعجّب كيف لقادة الحرية والتغيير الذين شاركوا في إنجاح الثورة العظيمة، ورفعوا الشعارات الرنانة أن يكونوا بهذه النفوس الدنيئة، والتهافت على الكراسي بهذه الصورة المُخزية، فكيف لهم أن يكونوا سببًا في تأخير إعلان التشكيل الوزاري، ليتمكّن سيادتهم من إعادة توزيع المناصب بما يُرضيهم، غير آبهين بالصفوف التي تتطاول والأزمات التي تلتف حول رقبة المواطن المغلوب على أمره، فالقادة منشغلون يقتسمون السلطة على مهل.
أعتقد أن كل الأزمات الاقتصادية الخانقة “كوم” وتقسيم السلطة بالمُحاصصات “كوم تاني”، أتعجب جداً من مثل هذه السلوكيات في عهد التغيير، فكيف يقبل رئيس الوزراء أن يتم اختيار الحكومة بهذه الطريقة البائسة، وأين ثورة الوعي والتغيير طالما أنهم يتبعون ذات الأساليب البائدة، لماذا لا يتم الاختيار للمناصب كما تختار بلاد العالم المتقدمة مسؤوليها، علناً نلحق بهم يوماً، لماذا لا يقتصر الاختيار على الكفاءات فعلاً، وليست تلك الواردة في قصيدة مروة بابكر الشهيرة “جاتك كفاءات يا وطن”، فسمعنا ضجيجاً ولم نر طحيناً.
لا يُنكر إلا مكابر أن ثورة ديسمبر نجحت في خلع نظام مُستبد وفاسد، وتحسّنت على إثرها علاقات السودان الخارجية بصورة جيدة، ولكنها وقفت عند ذلك الحد، فكل ما دونه منهارٌ ومتدهور بصورة مُريعة وكأن البلاد بلا حكومة، فعلى السادة المسؤولين الانتباه إلى نبض الشارع، معاناة الجماهير والبدء في معالجات عاجلة وجذرية للأزمات الاقتصادية، وعليهم أن يعلموا أن هذا ليس أوان الحكم بالانتماء الحزبي أو القبلي، لن أقول هذه طريقة جاهلية يجب وأدها، لكن على الأقل هذا ليس وقتها، فالأولى هو انتشال البلاد من وحلها، وخلق اقتصاد مستقر، وتحقيق العدالة الاجتماعية والتحول الديمقراطي في الدولة.
وأخيراً، أهمس في أذن القادة بما قاله نصر بن سيّار، في نُصح الملك الأموي مروان بن محمد بقوله: “أرى تحت الرماد وميضُ نار.. ويوشك أن يكون له ضِرام.. فإن النار بالعودين تُذكى.. وإن الحرب مبدؤها كلام.. فإن لم يُطفِها عقلاء قومٍ.. يكون وقودها جثثٌ وَهام.. فقلت من التعجب ليت شعري.. أأيقاظ أمية أم نيام؟؛ فإن يقُظت فذاك بقاء مُلكٍ.. وإن رقدت فإني لا أُلام”.