بعد أن تم تعيين السيد د. عبد الله حمدوك رئيساً للوزراء في 20 أغسطس 2019 من قبل مجلس السيادة، وفي اليوم الذي يليه قام بأداء اليمين الدستورية، وبعد ذلك أدلى بأول تصريح له للإعلام وكان لوكالة السودان للأنباء سونا يقول فيه: (إن السودان يمتلك من الموارد ما يمكنه أن يكون من أقوى الدول الأفريقية)، وذلك من خلال رؤيته كرجل اقتصادي حسب الزاوية التي كان يرى منها السودان من موقعه الأممي الذي كان يشغله، ومنذ ذلك التأريخ وحتى تاريخ هذه اللحظة أي ما مدته (سنة ونصف السنة) لم نر أى خطوة تؤيد ما صرح به هذا الرجل، وأنا كمراقب وانتم معي نتابع ما قام به من إنجازات على الصعيد الميداني، صحيح أنه سعى بكل الوسائل الممكنة وغيرها من أجل توقيع اتفاقية (سلام) مع الحركات المسلحة وكان يظن أن الأمر هين ويقوم على مبدأ الجودية والتنازلات الأخوية، ولكن الواقع قد كذب الظن وألزم عموم أهل السودان أن يتحمل فاتورة غالية وعالية في ما ترتب عليهم من استحقاقات والتزامات وكأن هذا الشعب هو من كان يحارب ويعادي هذ الإقليم ، ولهذا أتت فرحتنا بهذا السلام كفرحة الوالدين بابنهما اللذين رزقا به معاقاً، ولا يزال أمر هذا السلام يقبع تحت رحمة المقادير حسب ظروف الدولة حال استطاعتها الإيفاء بوعودها المادية تجاه الحركات المسلحة ، بالرغم من وجود جيشين عرمرمين و بعض الفصائل المنسلخة من الحركات خارج إطار هذه الاتفاقية و لم يوقعوا على هذا الاتفاق الفطير الذي لم و لن يخرس أصوات المدافع، وما حدث في الجنينة من أحداث مؤسفة ستكون شاهدةً على مواقف سوف تحرج هذا السلام المعاق وستكذب الحركات المسلحة في الأسباب التي من أجلها نشأت، ولكن بالرغم من ذلك نقول: سلام معاق أفضل من حرب جائرة تأكل الأخضر واليابس.
وكذلك سعى سعادته سعياً حثيثاً لإخراج السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وقد نجح ويشكر على ذلك، ولكن لمن ظن أن السودان سيصبح دولة مكتملة الحصانة ضد أي قضايا مستقبلية يمكن أن ترفع ضده بموجب قانون الإرهاب، فهو (واهمٌ)، لأن أضخم عملية إرهاب حدثت في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية هي تفجيرات 11 سبتمبر 2001 في نيويورك، ما زالت دعواها مفتوحة أمام المحاكم، ويمكن أن تتم فيها إدانة السودان وإرجاعه إلى المربع الأول في دقيقة واحدة ، ولن نثق كثيراً في وعد وزارة العدل التي قالت إنها تمتلك الأدلة الكافية لتبرئة السودان من هذه الدعوى التي كان متهمها الأول و المباشر هو أسامة بن لادن، فكيف تمت إدانة السودان في قضيتين لم يكن فيهما أسامة متهماً مباشراً كأحداث سبتمبر؟ وكما هو معلوم بالضرورة لم يكن للسودان أي ضلع فيهما وخصوصاً قضية الباخرة كول وكل العالم يشهد بذلك.
هذا كل ما تم إنجازه في ملفي العلاقات الخارجية والسلام، ويشكر سعادة دولة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، على سعيه في تحقيق هذين الإنجازين وإن كانا دون الطموحات، أما على الصعيد المحلي، فإن وصفنا أي إنجاز لهذه الحكومة بالفشل، فذلك سيجعلنا نضع هذه الكلمة في محل إحراج قد لا يليق بها لأن الملاحظ هو غياب البرامج والهدف لدى الحاضن والمحضون، ولهذا لم نجد لهم أي تقدم في كل الملفات يحسب لهم في سجل إنجازاتهم، وكما ليس هنالك اعتراف بهذا التقصير الذي أوصل البلاد إلى حواف العوز والفقر والفاقة.
نحن وانتم نراقب عن كثب طيلة فترة حكومة حمدوك أوضاع المعيشة المتردية جداً التي وصل إليها هذا الشعب والحالة الأمنية غير المستقرة التي كانت بدايتها بمحاولة اغتيال دولة رئيس الوزراء نفسه وانتهت بما آلت إليه الأوضاع الآن، حيث أصبحت الخرطوم مرتعا للجريمة المنظمة والمسلحة ، وكما لا يخفى على أحد تردي الخدمات وارتفاع أسعار فواتير الكهرباء والمياه، والمحروقات وانعدام الدواء ، فصارت الحياة فوق طاقة الجميع وغير محتملة بصورة لم يتوقعها أحد من قبل، وكما يشهد السوق هذه الايام ارتفاعاً مفاجئاً لسعر الدولار مقابل الجنيه السوداني الذي بدأ يلمس سقف الأربعمائة جنيه وذلك بالتزامن مع ارتفاع حدة النعرات الإثنية وارتفاع الأصوات النشاز هنا وهنالك، وسعاده حمدوك صامت كصمت القبور لم يتحرك له جفن أو ينطق له ساكن!! ينظر إلينا وكأنه ينتظر حتفنا ببروده المميت والشعب يتقدم نحو هاوية الهلاك ولا أحد يواسيه في مصابه الجلل وكأن الأمر لا يهمه لا من قريب أو بعيد!! فهل ما يغعله حمدوك يعتبر ثقة منه في نفسه أم هو تحجر عواطف تجاه ما يحدث للشعب أم أنه يتتبع حكمة المثل الشعبي الذي يقول: (إذا غلبك سدها، وسع قدها).؟!
لقد فتقت أجهزة الإعلام المرئية و المسموعة والمقروءة أذاننا في الأيام القليلة الماضية، بأن السيد دولة رئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك قد أصدر قرارات مهمة تتعلق بالقمح والدقيق استناداً على أحكام الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية لسنة 2019م المفترى عليها، وبناءً على توصية صديقه العزيز وزير الصناعة والتجارة، قراراً بتشكيل الغرفة المركزية للإشراف على القمح والدقيق، وكأن الأمر قد طرأ عليهم فجأةً ولم يكن لهم به علم مسبق ، أو أن سعادة حمدوك صحى من سبات عميق لم يسمع طيلة فترة حكمة أنين شعبه في طوابير ليست لها نهايات، فيا سيادة دولة رئيس الوزراء أريد أن أذكرك وحاضنتك السياسية، إن الذي أوصلكم إلى سدة الحكم كان بسبب هذا القمح والدقيق والخبز ولم يكن لأي سبب آخر كما حاول البعض تشويه هذا التاريخ المعاصر، وليكن معلوماً لديك ولمن يقدمون لك استشاراتهم المضروبة: إن البعثة الأممية التي ظننت أنت والبعض من المتفائلين أنها ستمطر على الشعب ذهباً وفضة أو ستحول الخرطوم إلى باريس وستحمي الحكومة من إسقاطها، أقول لكم افعلوا ما شئتم أن تفعلوه واحضروا ما أردتم أن تحضروه، فإن لم تلتفتوا إلى معاش الشعب وتنزلوا إليه من أبراجكم العاجية وتسمعوا أنينه، فإن للشعب غضبة لن يقف في وجهها قوة لا أممية ولا محلية مهما كانت.. واسأل الله ألا تراها وانت خصم له، فانتبهوا يا سادة حتى لا تشوهوا تاريخكم بأيديكم وتكتبوه بأقلام حبر سوداء اللون.!