همس الحروف _ اللواء ركن فيصل محمد الحسن رجلٌ بقامة وطن _ الباقر عبد القيوم علي
الصمت عند البعض يُفسّر بأنه لغة العاجزين، ولكنه يعتبر من أهم وسائل توصيل فهم المعاني التي تعجز عنها لغة الكلام في وصف مدلول معانيها عند القادرين، لأنّه عند بحر السكوت المُتعمّد تطفح على سطحه لغات عدة تنطق بها الجوارح الصامتة لتشرح ببلاغة مُتناهية العبارات ذات المعاني العالية، فصدق الشاعر عند قوله: وتعطّلت لغة الكلام وخاطبت عيني في لغة الهوى عيناك.. وذلك يدلل على أن الجوارح في بعض الأوقات تنوب عن اللسان في شرح الكلام بصورة أوضح من البوح بها، ولهذا قد أجد نفسي في كراسي العاجزين عن الحديث تجاه موقف إنساني معيّن هزّني واهتزت له أركان شمال كردفان واقشعرت عند حدوثه أبدان حاضريه، لأنه خرج عن إطار المألوف في المنطقة، وكما لم تتح الدهشة لأحد أن يتوقّع حدوث مثل هذا الموقف الذي يُوصف رقة شعور فاعله، وخُصُوصاً إذا كان فاعل هذا الأمر ليس معنياً به أو مطلوباً منه أداء ذلك، إلاّ أنّ شخصية القائد قد تجبر صاحبها في أحايين كثيرة على ركوب أصعب موجة من أجل تحري الانتصار على النفس قبل الآخرين، ولهذا تولّدت عنده مبادرة رائعة تحمل اسم قائد الفرقة الخامسة مشاة (هجانة) سعادة اللواء ركن فيصل محمد الحسن، التي كانت من أجل طَرق باب النجاح الذي أوصدته صعوبة الحياة بالإهمال والعوز والفقر وبساطة أصحابه التي تجعل عند القادرين حواجز تمنع الآخرين من الالتفات إلى مثل هذه الأبواب، إلا إذا كان يقف وراء ذلك رجلٌ شفّافٌ ويمتلك ملكة الحس والإدراك التي تجعله يتذوّق طعم حلاوة الإنسانية ويُميِّز بين مرارة الفشل ونشوة التفوق والنجاح.
لقد خرج هذا الرجل القامة من قيادته ولم يجبره على الخروج أحدٌ ليكسر بخروجه هذا صمت ولايته التي انشغل قادتها المدنيون، الذين من المُفترض أن يكونوا هم المعنيون بهذا الأمر الذي خرج من أجله، فلقد شغلتهم ظروفهم الخاصة ومتاهات الحياة الصعبة التي تصعّبت على الجميع بصورة غير مسبوقة في هذه الأيام مما ترتّبت على ذلك زيادة معاناة الشعب، لقد خرج مُحتفياً بالتفوُّق في موكب مهيب قصد به قرية (الحجيرات) بمحلية الرهد وذلك لأمر لم يكن يخص شؤون قيادته العسكرية في شئ، وإنما من أجل الاحتفاء وتكريم الطلاب والطالبات الذين تفوّقوا رغم الحظر والفيضانات والعطلات والجائحة وغيرها من الظروف التي استطاعوا أن يتغلّبوا عليها ويقهروا كل هذه العقبات التي صاحبت الامتحانات، فلم تكن لهم عائقاً أمام مسيرة نجاحهم والتي كانت يمكن أن تقودهم إلى أحضان الفشل، فاستطاعوا أن يتجاوزوها ويقهروها بكل ثبات ويحققوا هذا التفوق الذي واجبٌ علينا أن نحتفي به، وكان من أولويات هذا القائد نثر روح الفرح على رؤوس هؤلاء الصغار، ليُوصِّل لهم معاني الارتباط الحقيقي بين القائد والمقود من ملح الأرض والبسطاء.. فعند لقائه تداخلت عليهم العواطف الجيّاشة وهم يستقبلونه بفرح منقطع النظير، لأنه حينما قصدهم لم يكن طامعاً في أمر من أمور الدنيا، ولهذا كان اللقاء ما بين دموع الفرح ونشوة الانتصار التي خالطتها أحاسيس دفينة كانت تدغدغ قلوب أهالي تلك القرى وهم يستقبلون أعضاء هذا الموكب المهيب باحتضان قائده في سعادة غامرة يصعب وصفها في كلماتّ.
ما أحوجنا لمثل هذه المبادرات التي ترفع من شأن العلم وتسهم في بناء العلماء، وما أعظم المبادر القائد والإنسان سعادة اللواء ركن فيصل محمد الحسن الذي رسم البسمة والفرحة في قلوب البسطاء، حينما عانقهم فرداً فرداً وبلّلوا له ملابسه بدموع الفرحة، لأنّه قام بطرق باب أكارم يعرفون الفضل لأهل الفضل، وهذا القائد يعي تماماً دور الشباب ومعنى التفوق الذي يقوم بصناعة الركيزة الأساسية للمجتمع، ولذلك سعى حافياً لتكريم المتفوقين في قرى يصعب وضع الاصبع عليها في خارطة السودان، لأنه لا يعرف اسمها إلا قاطنوها فقط، ولا يستطيع الوصول إليها إلا رجل بقامة وطن ويحمل هموم فقرائه، فهو نعم القائد الذي يستحق أن نُكرِّمه نحن قبل أن يقوم بتكريم شبابنا في زمان عَزّ فيه ما فعل وسيشهد له التاريخ بأنه رجلٌ عظيمٌ، وفي مكان لا يعي مردود ما قام به إلا أهل فضل يهمّهم معرفة الطرق السليمة التي يتم بها بناء قُدرات الشباب الذين يعتبرون هم أعمدة هذه الأمّة وسِرُّ نَهضتها ومَبعث حضارتها وحاملو لوائها ورايتها وقادة مَسيرتها في المستقبل، فلك مني يا سعادة اللواء فيصل ألف تحية وألفين سلام وهنيئاً للظهر الذي حملك وأتى بك، وللرحم الذي حواك، والثدي الذي أرضعك يا رجل يا عظيم.