ومن الأخبار المُفرحة، وافق رئيس الوزراء على إنشاء مناطق حُرة ببعض الولايات، منها أول منطقة حرة يمتلكها القطاع الخاص في بورتسودان، وبها مربطٌ للسفن، وساحات ومخازن للحاويات، وصوامع للغلال وأخرى للأسمدة، وبالمربط أحدث الرافعات والآليات والأجهزة والمعدات، مع التشغيل بنظام الرقابة الإلكترونية لكل مراحل تخليص وترحيل الحاويات.. لمثل هذه الأخبار قيمة سياسية واقتصادية، بحيث تعكس أن المناخ العام صار مثالياً للعمل..!!
:: وكما ذكر الأمين الشيخ مصطفى، رئيس مجلس إدارة المشروع (النيلين – بوابة أفريقيا)، فإن هذه المنطقة الحرة تقع على مساحة (150.000 متر مربع)، شمال الميناء الأخضر، وموعد افتتاحها – بكل ما فيها من مربط وصوامع وغيرها – نهاية هذا العام بإذن الله.. فالمشروع قيمة مُضافة للاقتصاد الوطني، ولقد أحسن رئيس الوزراء ووزير المالية وهيئة الموانئ عملاً يفتح باب الأمل للقطاع الخاص، ليستثمروا في هذه القطاعات الحيوية..!!
:: ومثل هذا المشروع، في حال اكتماله بلا متاعب، يجذب مشاريع أخرى.. قطاع الاستثمار لا يختلف كثيراً عن أسواق الأحياء.. في أسواق الأحياء، ما أن ينجح صاحب محل لبيع العصائر، يأتي آخر ويفتح محلاً لبيع العصائر أيضاً أو لإنتاج الخبز (فرن بلدي)، ليأتي آخر ويُنشئ مخبزاً آلياً، أي يطور الفكرة لصالح المجتمع ويربح أكثر.. ثم يأتي آخر بفكرة جديدة.. و.. و.. هكذا تؤسس المجتمعات أسواقها.. بالمنافسة وتطوير الأفكار..!!
:: وما بالمجتمعات يرتقي إلى مستوى الدولة في حال أن تدير الحكومة قطاع الاستثمار بوعي ومسؤولية.. ومن المؤسف، لقد عجزنا في العهود الأخيرة عن جذب مشاريع بحجم شركة كنانة ومشروع النيلين، واكتفينا بالمشاريع التي من شاكلة أبراج الخليج والكافتيريات السورية وصوالين الحلاقة التركية وأفدنة البرسيم وغيرها من الصغائر.. وأن نقدم للعالم مشاريع نموذجية وحيوية واستراتيجية أفضل من ألف ملتقى ومليون مؤتمر..!!
:: أخبار الإنتاج والافتتاح هي التي تجذب المستثمرين، وليس أخبار المواكب وإغلاق الطرق بالمتاريس والموانئ بالرافعات.. وموافقة رئيس الوزراء على مشروع النيلين تشجيع للمستثمر السوداني، ومن حُسن مظهر الاقتصاد الوطني تشجيع الاستثمار الوطني، بحيث ينافس الأجنبي بالجودة والسعر.. وبمثل هذا التشجيع يُمكن إخراج الرأسمالية الوطنية من أوكار التجارة الخاملة – والسمسرة في الأراضي والدولار – إلى عالم الصناعة والزراعة والخدمات..!!
:: وعليه، مع جذب وحماية الاستثمار الأجنبي، فعلى الحكومة تشجيع وحماية الاستثمار الوطني أيضاً، وذلك بمنح المزايا وتسهيل التمويل وعدم ابتزاز المستثمرين أو التشهير بهم أو محاكمتهم بغير المحاكم وقضاتها.. وهذا ما يُمكن أن يُسمى بالاستثمار الاستراتيجي الذي لا يتأثر بالمؤثرات الخارجية وتقلبات طقوس العلاقات السياسية، وقديماً قالت إحدى الحكم الشعبية: (لا تضع كل البيض في سلة واحدة)، ومن الخطأ الرهان على الأجانب فقط..!!
:: وموافقة رئيس الوزراء للقطاع الخاص على إنشاء مشاريع بحجم مناطق حُرة ومرابط سفن للقطاع الخاص، يجب أن تكون بداية جادّة لتقسيم مسؤولية التنمية والنهضة ما بين الحكومة والقطاع الخاص، دون أن يتوغل أحدهما على مهام الآخر.. وكما كتبت – كثيراً – فمن التغيير المنشود في مرحلة ما بعد الثورة هو أن تكتفي الحكومة بالتشريع والرقابة والإشراف كسلطات سيادية، وتُفسِح مجالات الإنتاج والخدمات لشركات القطاع الخاص..!!