النورس نيوز : طارق عبدالله
على غير ما هو متوقع، أطلت الخلافات القبلية، والنزاعات الإثنية، في السودان برأسها مجدداً، عقب سقوط نظام المعزول البشير، الذي كان أحد شعارات الثورة ضده (كل البلد دارفور).
وأوغلت الإنقاذ في استخدام القبيلة لخدمة أغراضها، فعمدت إلى تسليح قبائل، وتقريب زعامات، في مقابل إقصاء وتهميش قبائل أخرى، بل وارتكاب جرائم مأساوية كالتطهير العرقي، حد تحول البشير إلى المطلوب الأول لدى محكمة الجنايات الدولية.
وتتهم الحكومة الانتقالية، عناصر النظام السابق، ومناصريهم، بالوقوف وراء صراعات القبائل في عدة مناطق بالسودان، وتارات العمل على إزكاء الصراعات الصغيرة ونفخ نيرانها وإن التهمت الجميع.
آخر هذه الأحداث، وقعت في حاضرة ولاية غرب دارفور الجنينة، وراح ضحيتها 129 قتيلاً وما يفوق 200 مصاباً، جراء مهاجمة مجموعات مسلحة للمدينة عقب مقتل مواطن على يد آخر طعناً بسكين.
وبالتزامن مع أحداث الجنينة، وقعت نزاعات قبلية في كل من منطقة الطويل بجنوب دارفور، وصراع في كادوقلي بجنوب كردفان.
وشرقاً سبق وأن أندلعت أحداث عنف قبلي في مدينة بورتسودان لمرتين، وكسلا عقب تعيين الوالي المدني صالح عمار.
وانتقلت بؤرة الصراع إلى ولاية الجزيرة، حيث نشبت عدة خلافات مع سكان الكنابي، سبقه استقطاب إثني حاد.
والملاحظ أن الخلافات القبلية أضحت لا تقف على منطقة او ولاية معينة، فانتشار أعضاء القبائل في مجموعات كبيرة بكل ولايات السودان قد يشعل الحرائق في كل القطر، ويعيد تجربة رواندا قبل إستقرارها، خاصة في ظل استثمار عدد من الجهات في هذه الصراعات.
خطاب مسموم
إستنكر الأمين العام لحزب الأمة الفيدرالي، نجم الدين دريسة، بروز الخطاب الجهوي والقبلي خلال هذه الفترة من عمر المرحلة الانتقالية.
مؤكداً لـ(النورس نيوز) أن ذلك يعد مؤشراً خطيراً يهدد استمرار الزخم الثوري الذي اتسمت به ثورة ديسمبر المجيدة، القائمة على مرتكزات الحرية والسلام والعدالة، وهي الشعارات النبيلة التي عبر عنها العقل الجمعي السوداني.
وقال دريسة إن النزاعات القبلية في ولايتي غرب وجنوب دارفور والتي أودت بحياة نفر عزيز من أبناء الوطن لا تمت لتلك الشعارات بصلة، وأنها خلقت حالة من عدم الاستقرار في هذه الولايات.
وزاد بأن الخطاب الجهوي السائد في الساحة السياسية خطاب مسموم انتشر بصورة تدعو للدهشة، خاصة وقد وصل بعضه لأوساط المثقفين والمتعلمين.
وتساءل دريسة من المستفيد من تغذية مثل هذه الصراعات الجهوية التي أسهمت في إضعاف أجهزة ومؤسسات الدولة.
مذكراً بالأحداث التي شهدها شرق السودان بسبب تعيين صالح عمار والياً لولاية كسلا وراح ضحيتها عدد من المواطنين، وأدت في النهاية إلي إقالة الوالي من قبل رئيس الوزراء عبدالله حمدوك.
وأعرب دريسة عن أسفه لعجز أجهزة ومؤسسات الحكومة الإنتقالية في معالجة المشكلات القبلية التي أضحت تؤرق إستقرار الفترة الانتقالية.
وقال أن استمرار هذه النزاعات من شأنه أن يؤثر على مسيرة السلام التي إنتظمت البلاد بعد توقيع اتفاق جوبا.
داعياً إلى ضرورة نبذ الجهوية والقبلية و الإلتفاف حول مشروع وطني جديد تكون فيه المواطنة أساس الحقوق والواجبات.
ضعف الحكومة
تقول الباحثة الاجتماعية أمل عبدالله لـ(النورس نيوز) إن المجتمع السوداني يعاني من تفشي الجهل والأمية، خاصة في الولايات التي عانت من الظلم والتهميش كولايات الغرب والجنوب والشرق.
ولفتت إلى أن معظم السكان في الولايات من ممارسي النشاط الرعوي، ما يخلق حالة من عدم الاستقرار، خاصة في ظل عجز الحكومات المتعاقبة عن تقديم خدمات التعليم والصحة للرعاة.
مشددة على أن هذه الأوضاع تقوي الانتماء للقبيلة على حساب بقية الكيانات بما فيها الدولة.
داعية إلى الاهتمام بالتعليم، وبقية الخدمات، وزيادة معدلات التنمية، مع تقوية مؤسسات فرض القانون، وتجهيزها لوجستياً لتكون أقوى من المسلحين المنفلتين.
ونادت بعدم تعليق كل ما يجري في مشجب النظام البائد، أو أن يكون بدفع من طرف ثان، مشيرة إلى وجود ضعف في التركيبة الاجتماعية، وهو وضع وصفته بالخطير، ويحتاج إلى اهتمام ومعالجات حكومية سريعة وعلى المدى البعيد.
النظام البائد
يقول المحلل السياسي عبيد مبارك إن اندلاع العنف ذو الطابع القبلي في ولايات جنوب وغرب وشمال دارفور وجنوب كردفان وكسلا والبحر الأحمر لايمكن أن يكون مجرد صدفة عارضة أو أحداث منفصلة.
موضحاً أن أصابع الاتهام تشير مباشرة الى أذرع النظام البائد، بأنه وراء عمليات تأجيج الصراعات الأخيرة، عبر التحريض والإغراء وبث الروح القبلية لتحقيق غاياته.
وقال إنه وعلى الرغم من وجود خلافات مسببة بين بعض القبائل إلا أنها ما كانت لتصل مرحلة الاقتتال الدامي، والتهديد بنسف استقرار البلاد لولا وجود أياد ظاهرة وخفية لحزب المؤتمر الوطني المحلول عبر قياداته القبلية المعروفة التي تضررت مصالحها بسقوط النظام، لا سيما وأن نظام المؤتمر الوطني أتكأ طيلة حكمه على القبيلة ومكنّ قياداتها في مؤسسات الدولة، حد أن التشكيلات الحكومية لم تكن تخرج بمعزل عن المحاصصات والترضيات القبيلة، وبالتالي لابد أن تكون تلك القبائل هي المفتاح الذي سيستخدمه في العودة للحكم مرة ثانية.
استهداف مخابراتي
مصدر سابق بجهاز المخابرات العامة يقول لـ(النورس نيوز) إن السودان من الدول التي توليها أجهزة المخابرات العالمية اهتماماً كبيراً، لكون موقعه المميز في قلب القارة الافريقية، وبالتالي هو مدخل لدول شرق ووسط وغرب وجنوب إفريقيا، بجانب خيراته داخل باطن الأرض.
وأردف: تعتقد أجهزة المخابرات العالمية أن السيطرة على السودان تعني السيطرة على إفريقيا كلها، وهكذا تنظر إليه العصابات الدولية العاملة في تجارة السلاح والمخدرات وتهريب البشر.
وزاد: لذلك هناك تسابق في محاولة السيطرة علي الدولة ولا يتأتى لها ذلك في وجود حكومة قوية لها قرارها وكلمتها، ويبقى أن مصلحتها في عدم استقرار الدولة لتتمكن تلك الأجهزة من أداء دورها بصورة مباشر بالسيطرة على الحكومة، أو بصورة غير مباشرة وهو البرنامج المخابراتي المعروف بتنظيم شبكة جواسيس ومساعدتها في الوصول للسلطة سياسياً أو اقتصادياً.
وأستطرد: لكن المعروف بان أول برنامج يمكن أن تستخدمه تلك الأجهزة هو تأجيج الصراعات القبيلية والعنصرية والجهوية، وهي الطريقة التي تمكنها من الاستقرار وقتاً طويلاً حتى لتمكن نفسها في مفاصل الدولة، فالعمل المخابراتي حاضراً في أيّ نزاعات على تلك الشاكلة (حد تعبيره).