همس الحروف _ رسالة عاجلة في بريد البرهان وحمدوك _ الباقر عبد القيوم علي
كتب الأستاذ الصحفي المخضرم علي سلطان في عموده الراتب (أيام وليالي) تحت عنوان ساعة القصاص لا ريب فيها، وتعرّض فيه إلى مظاهر الحُزن الذي يخيم على معظم البيوت السودانية نتيجة ضياع الحقوق الخاصة بسبب التقصير الحكومي في تنفيذ ما يجب على الدولة من أداء لمهامها التي من شأنها حفظ الحقوق الخاصة والعامة، ولقد عدّد من بعض تلك المظاهر، وتطرق إلى الإشكالات التي تعترض تنفيذ الحماية الكاملة للمواطن التي تعزز دور الأمن المجتمعي في السودان وبغيابه سوف يتأثر بذلك جميع بيوت أهل السودان بدون فرز.
ومن الأدب الذي تشبع به هذا الرجل القامة، لم يمنح نفسه فرصة التطرق لفجيعتهم التي اهتزت لها قلوب ومشاعر كل الناس الذين شهدوا لحظة وقوعها، وكما تأثّر بها الكثيرون من الذين سمعوا بها داخل السودان وخارجه، وخصوصاً أهل الحاج يوسف محطة الكلس الذين ما زالوا يعيشون لحظات تتخللها الصدمة والخوف والإحباط من ذكرى ذلك الحادث الأليم الذي قام به فرد من أفراد الأجهزة النظامية وهو يقود شاحنة عسكرية بدون لوحات، مخلفاً خلفه مجزرة فظيعة وجريمة نكراء كاملة، تمت بدم بارد ولم تهتز لها شعرة مسؤول واحد حتى تاريخ هذه اللحظة، مما ترتب على ذلك إحباطٌ كبيرٌ، خيّم على جميع أفراد أسرته خاصة، وعلى أسرة المجتمع السوداني المكلوم عامة من جراء مثل هذه الحوادث الشنيعة التي يعقبها إهمال وصمت رسمي حتى تُدفن في مدافن النسيان، وما زال الشعب يقع تحت تهديد مثل هذه الصدمات المتتالية، والتصرفات اللا إنسانية التي دائماً تحدث من قبل المؤسسات النظامية وتنتهي هكذا بصمت المسؤولين، وعلى أقل تقدير كانوا يتوقعون أن يسمعوا كلمة عزاء واحدة من القائمين على أمر هذه الدولة، لتطمئنهم على أن الحكومة ساعية من أجل الوصول للجاني وإغلاق ملف هذه القضية بعد تقديمه للعدالة، لتؤكد للشعب بذلك أنها ما زالت قائمة على بسط الأمن وفرض هيبة الدولة، أو بالعدم كانوا ينتظرون أن يسمعوا منهم حتى ولو كلمة مبروك على ميتكم الذي أراح نفسه بمفارقة هذه الفانية المليئة بأهل النفاق على الصعيد الرسمي، الذين يقتلون القتيل ويسيرون في جنازته بدم بارد وكأن الأمر لا يعنيهم في شئ!! وما زال المجرم حراً طليقاً يتمتع بكامل حريته وحمايته التي توفرها له الدولة من جراء إهمال الجهات الرسمية للقضية، لأنه قد أمن العقاب نسبة لعلمه المسبق بأنه ليس هنالك جهة مؤهلة وشجاعة ويمكن أن يكون لها قلب على أمن الوطن والمواطن يمكنها تعقبه بعد فراره من مسرح الجريمة، حيث ظلت أسرته المكلومة تذرف الدموع السجية لعظم مصابهم في فقدان نوارة بيتهم الشهيدة فتحية سلطان وبقيتهم طريحو الفراش الأبيض لتعرضهم لنفس هذا الحادث البشع الذي خلف عدداً من القتلى والجرحى.
لقد تناولت الصحافة وبعض كُتّاب الأعمدة هذه القضية في الأسبوع المنصرم من زوايا مختلفة، وذلك ما يؤكد وصول هذه القضية بهذه الإحداثيات المخجلة والمحرجة في بريد جميع من يهمهم الأمر، وخصوصاً وزيري الدفاع والداخلية وأجهزتهما التي تقع في دائرتيهما، والتي يكون من ضمن اختصاصها هذه القضية، وذلك حسب الرصد الصحفي المتبع في جميع مؤسسات الدولة، وما زلنا ننتظر من أحدهما أن ينطق ببنت شفة ليشفي غليل أسر الضحايا، الذين أُزهقت أرواحهم في هذا الحادث، والذين ما زالوا يتلقون العلاج بالمستشفيات، ولكن هيهات أن يتحقق ذلك، لأن الدولة كما عوّدتنا دائماً تقف في خطها المعوج دون طموح شعبها، الذي ظل يدفع فاتورة هذا الإهمال طيلة عمره، وما زال مسلسل هذا الإهمال متوارثاً منذ الإنقاذ حتى هذا التأريخ مستمراً، وتسير الحكومة بعرجها ولا تعطي المواطن أي فرصة لتوصيل صوته وكما لا تفتح آذانها إلا لمن سلك الطريق الخطأ أو حمل السلاح، فتخيّلوا معى لو نصب أهل هؤلاء الضحايا صيوان عزائهم في ذلك الشارع الذي حدثت فيه هذه الجريمة ولم يقوموا برفعه حتى يتم تسليمهم الجاني، ماذا ستكون ردة الفعل الرسمية تجاه هذه القضية التي من الممكن أن تموت إزاء هذا الإهمال الواضح، إذا لم تتسارع الخُطى الحثيثة لضبط هذا الجاني الذي ما زال يرتع بكامل حريته، ويمكنه أن يقوم بإخفاء جميع آثار جريمته، حيث ما زال أداء دور الشرطة تجاه هذه القضية ضعيفاً جداً وغير معلوم المعالم.
سيدي سعادة البرهان وسيدي سعادة حمدوك، إني أرفع إليكما إحداثيات هذه القضية التي تعاملت معها أسر الضحايا بكل ضبط للنفس، فلم يغلقوا طريقاً، أو يقطعوا سبيلاً، أو حتى يرفعوا أصواتهم فوق الصوت الذي يسمح به القانون والذوق العام، عند بلوغهم نبأ هذه الفاجعة التي شقت صدورهم، في الوقت الذي تعاملت معهم الجهات المعنية بالدولة دون الطموح المطلوب، ولم يعيروا أدنى اهتمام ليتم تسجيل بلاغهم ضد مجهول!! وكل الشواهد تؤكد بأنه معلوم يكاد أن ينطق باسم الجاني لولا البرود الذي تعاملت به الجهات الرسمية في حينها، لأن القائمين عليها لا يمتلكون قلوباً تحس بآهات الحزانى وعويل الثكالى، الذين فقدوا أعزاءهم بدون جريرة اقترفوها، ولأن معظم موظفي القطاع العام متقاعسون وليس لهم سعة للتعامل مع مثل هذه القضايا بعد تدوينها في أضابير الدولة (كرقم فقط) يُؤرشف في سجلاتهم، وذلك لأن أصحاب الحقوق طالبوا بحقهم بصوت العقل بعيداً عن المهاترات ورفع الأصوات وإغلاق الطرقات وإحراق الإطارات كما حُرقت قلوبهم على فقدان أعزائهم وما زالوا يصارعون ظروف الحياة من أجل علاج البقية من المصابين من ذويهم الذين قدر الله لهم الحياة بعد نجاتهم من هذا الحادث المؤسف، في مستشفيات لا ترحم فقيرهم أو حتى تراعي ظرف عليلهم، وها هي قضيتهم في طريقها إلى النسيان بالتقادم، بالرغم من عظم المصيبة التي خلّفها الحادث الذي كان يمثل أعلى درجات الاستفزاز لهذا الشعب المكلوم بسلوك ذلك الفرد النظامي، الذي دهس نفراً عزيزاً من أفراده تحت آلته الحربية التي كان يقودها وهي لا تحمل لوحات عليها ولاذ بالفرار، مخلفاً وراءه آهات حزانى ودموع ثكالى في بيوت كثيرة.. أسأل الله تعالى أن يلهم جميع أهلهم الصبر على جلل مصابهم، وما زالوا ينتظرون من سعادتكما بوضع قضيتهم في عين الاعتبار والإيعاز إلى الجهات ذات الاختصاص باستخدام كل الوسائل المُتاحة في البحث عن الجاني بكل وسائل البحث الجنائي المتطور والكلاب البوليسية، مع حصر جميع مجروسات الجيش التي تجوب شوارع الخرطوم والكشف عليها قبل أن تُمحى آثار الجريمة منها، حتى لا يصير هذا الحادث جريمة كاملة، ليطويها التاريخ في صفحاته السوداء وتكون نسياً منسياً تحت ركام أنقاض الإهمال والاستحقار والاستحمار، وبعد ذلك تصبح دماؤهم معلقة في رقاب كل مسؤول، وخصوصاً الذين ساهموا في تعطيل الإجراءات بالإهمال، والتي كان من الممكن أن ينجزوا فيها أكثر من ما تعذّروا به.. ونحن في انتظاركم لتسليم الجاني وآلته إلى العدلة..!!
والله المستعان،،،