همس الحروف _ حتى إنت يا عمر معهم لإضعاف الجيش _ الباقر عبد القيوم علي
ينشط في هذه الأيام، قارعو طبول الحرب ومُؤجِّجو نار الفتنة، مُحاولين لذلك استغلال كل الأدوات المشروعة وغيرها في نفث السموم القاتلة بنشر التقارير المكذوبة وترويج الشائعات المضللة والتحاليل التي لا تستند إلى محاور علمية، يقصد منها محاولة استفزاز الجيش وثنيه لجرِّه إلى حرب شاملة بين البلدين الجارين، الشقيقين السودان وإثيوبيا، ويقف هؤلاء الأشرار من على بُعد ليس ببعيدٍ خلف الكواليس، وينظرون من نوافذ شرفاتهم الزجاجية، ليتابعوا نتائج ما زرعوه من فتنةٍ من أجل تسجيل أكبر عددٍ من النقاط السوداء على الجيش من أجل إعادة تدويرها عليه مرة أخرى حال حدوث ما لم يكن في تخطيطهم، ومن أجل استغلال ذلك في وقتٍ لاحقٍ، بعد أن يرموا باللوم عليه لإضعاف صورته أمام الشعب، من أجل تأكيد ذلك للجميع بأنه قد جَرّ البلاد إلى حرب لم يراع فيها الظروف الاستثنائية التي تمر بها.
وبعضهم يتبارون في تدبيج شهادات الفشل للانتقاص من هيبة القوات المسلحة بجعلها أداةً ضعيفةً لا تملك قرار نفسها في ما تقوم به من أفعال لحفظ السيادة الوطنية، فنجدهم يقومون بإضعاف هذه الإرادة بكل الوسائل المُمكنة وغير الممكنة، الغرض منها إضعاف الروح المعنوية التي تضعف معها العقيدة القتالية عند أفراده، وذلك بتروج الشائعات والمعلومات الكاذبة عبر الأسافير، والتي تُصوِّر المؤسسة الحربية بأنها قزمٌ طيِّعٌ في أيادي غيره وتقبع تحت طائلة العمالة والارتزاق بحيث يتم ذلك بالتحكُّم فيها عن بُعد كجسم مسلوب الإرادة، وصوّروها بأنّها خيال مآتة قابلة للابتزاز وسائمة نفسها للارتزاق وبيع الضمائر، وما قام به ليس كان ذوداً عن حياض الأرض والعرض، وإنما حاولوا إقناع الرأي العام بعكس ذلك تماماً باعتبار ما حدث كان حرباً بالوكالة ليس للسودان صالح فيها أبداً، مُزوّرين في هذا التأيخ الذي كان الجميع شاهداً عليه استخفافاً بعقول الشعب، وكما سعوا بكل ما يملكون بجعل نتائجها تصب في مصلحة مصر فقط، لأنها صاحبة فائدة مباشرة ستستفيد منها حال استنزاف إثيوبيا. ومن ناحية أخرى حاولوا الزج بالإمارات العربية المتحدة في هذه المعركة التي تقول كل الشواهد بأنها ليس لها فيها ناقة ولا جمل، لأن مصالحها الاستراتيجية مع مصر أكبر بكثير من هذه الفرية التي تم تلفيقها لها في الظلام وروّجوا لها في الأسافير وذلك لالتقاء بعض المحاور التي ليس بذلك العمق الاستراتيجي والتاريخي في بعض الأمور بين الإمارات وإثيوبيا مع تنافر مراكز الخسارة بين الدول الأربع وذلك بعكس ما يقول المثل: (عدو عدوك صديقك) ولا ضير إذا كانت هنالك مقاربات في بعض المصالح بين الإمارات وإثيوبيا أو بين الإمارات ومصر أو الإمارات والسودان، ففي مثل هذه الظروف تتقاطع خيوط الشائعات وتتلاقى مع جحوف الجهل من أجل بث الفتن الحارقة التي تهدم وحدة المصالح وتشرخ وحدة الصف العربي والوطني بتشتيت ذهن الشعب بأمور انصرافية في محاور كثيرة متفرقة من أجل تغبيش الرؤية التي يعلمها الجميع، وما قام به الجيش السوداني كان رداً طبيعياً على الاعتداء المباشر عليه الذي استهدف عناصره وبصورة مستفزة جداّ (ليس إلا)، فهنا يظهر للمُتابع ما يُحاك من مؤامرات ضد الجيش في الظلام مع محاولات لتدبيج التهم التي لا تُليق ومؤسستنا الحربية، وهذا ما يتضح لنا جلياّّ من تقاطع أفكار الرأي العام التي تم تشتيتها حول هذه القضية المصنفة من القضايا الوطنية التي تحمل تقييم الدرجة الأولى، ومن نفس هؤلاء الذين تختلف دائماً مواقفهم حسب الطلب، كانوا في السابق يُنادون بأعلى أصواتهم بتحرير الفشقة حينما كان الجيش يتعامل مع هذه القضية بضبط النفس، وكان ذلك ليس ضعفاً منه، وإنما استصحب الحكمة في تقدير الأمور نسبةً للظروف المُعقّدة التي كانت تُعيق كثيراً من الملفات الإقليمية والمحلية، وكان من الواجب حلحلتها بالتريُّث والسياسة من أجل عدم إدخال البلاد في حرب خارجية، وما زال السودان يدفع فاتورة الحرب الداخلية، وهذا ما قاد العدو إلى فهم مغلوط جعله يستضعف الحليم، ولذلك قام برفع استفزازه إلى درجة التعدي على مجموعة منه بقيادة ضابط برتبة رائد.
ولكن الأمر المؤسف حقيقةً والذي يوجب على الجميع التأكد من صحة انتمائهم بمراجعة أرقامهم الوطنية ليس على الأوراق الثبوتية فقط، وإنما بتصحيح انتمائهم الحقيقي لهذا الوطن مع استشعار القيمة الوطنية الحقيقية، فإذا صح ما تمّ ترويجه في الوسائط نقلاً عن وزير الخارجية المكلف في تنويره للسفراء، مديري الإدارات بالخارجية، فذلك يعتبر طعنة قوية بخنجر مسموم في خاصرة الوطن وانتقاصاً من حق السيادة الوطنية بتثبيط همم مقاتلي القوات المسلحة وإضعاف روحهم المعنوية وإزهاق عقيدتهم القتالية وذلك يعتبر خيانة عُظمى للشعب، عله كان ناسياً أو متناسياً بأن الإرادة والعقيدة القتالية لا تقيم بالكم العددي وإنما بالإيمان بالقضية نفسها وبالخبرة القتالية التي خبرها جنود الجيش السوداني على مر السنين الفائتة، وللروح المعنوية والإيمان بالغيبيات في حياة ما بعد الموت للشهيد، إن افترضنا بأن كل الحسابات التي بنى عليها سعادة الوزير المكلف بأنها كانت عبارة عن أرقام صحيحة، فإنه بذلك يعتبر غير موفق في تقييمه وتصريحه الذي أدلى به، بالرغم من أن أي حرب بين الشقيقة إثيوبيا والسودان تعتبر حرباً خاسرة للطرفين وهدماً للعلاقات الاجتماعية المُمتدة وعلاقات المصاهرة والجوار، لأن ميزان القوة لا يُحسب برصد القدرات العسكرية التقليدية التي تجعل الجيش الإثيوبي في المرتية 60 ونطيره السوداني في الـ75 حسب الترتيب الهرمي بين الجيوش العالمية، وفقاً للإحصاءات المعلنة وغير المعلنة بين البلدين في الكم والعدة والعتاد، وإنما بحساب الخسارة التي سيخسر السودان فيها صديقاً وفيّاً وحليفاً استراتيجياً وجاراً عزيزاً، كان من الممكن أن تمتد المصالح بينهما لأكثر مِمّا يتصور شعباهما الشقيقان اللذان يؤسفهما تلك الأحداث الجارية التي تم تصعيدها نتيجة سلوك مغلوط من بعض المرضى، الذين ستضيع بسببهم كل أحلام الشعبين في هذه الحرب التي فرضت عليهما رغم أنف الجميع.